الفائدة لأمسكت عنها، قال:
في أيّ سلح ترتطم ... وبأيّ كفّ تلتقم
أدخلت رأس البحتريّ ... أبي عبادة في الرّحم
ووصل ذلك بما أشبهه، فضحك المتوكّل، وضرب برجله اليسرى وقال: ادفعوا إلى أبي العنبس عشرة آلاف درهم.
فقال الفتح: يا سيّدي، فالبحتريّ الذي هجي وأسمع المكروه، ينصرف خائبا؟
قال: وتدفع إليه عشرة آلاف درهم.
فقال له: يا سيّدي، فهذا البصريّ الذي أشخصناه من بلده، لا يشركهما فيما حصّلاه؟
قال: يدفع إليه أيضا عشرة آلاف درهم.
فانصرفنا في شفاعة الهزل، ولم ينفع البحتريّ جدّه، ولا اجتهاده، ولا تقدّمه.
[قال الزبيديّ]: ولم يكن أبو العبّاس محمد بن يزيد على رئاسته وتفرّده بمذهب أصحابه، وإربائه عليهم بفطنته وصحّة قريحته متخلّفا في قول الشعر، وكان لا ينتحل ذلك ولا يعتزي إليه، ولا يوسم نفسه به، وله أشعار كثيرة، منها قوله أبيات [ا] يمدح بها عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وكان سبب اتّصاله بالطاهريّة أنّه لمّا قتل الفتح بن خاقان كتب محمد بن عبد الله في إشخاصه، فلم يزل مقيما معه، وأرزاقه [٢٢٤ ب] مسبّبة على أموال مصر، حسب ما كانت أرزاق الندامى تجرى عليه.
يدلّ على ذلك ما شاهدته [منه] يوما، وقد ورد عليه كتاب من طاهر بن الحارث، مع غلام له يقال له: نصر، في درجه كتاب التّسبيب بأرزاقه إلىمصر، فأجاب عن الكتاب أبياتا قالها على البديهة، وهي [الطويل]:
بنفسي أخ برّ شددت به أزري ... فألفيته حرّا على العسر واليسر
أغيب فلي منه ثناء ومدحة ... وأحضر منه أحسن القول والبشر
وما طاهر إلا جمال لصحبه ... وناصر عافيه على كلب الدّهر
تفرّدت يا خير الورى فكفيتني ... مطالبة شنعاء ضاق بها صدري
وأحسن من هذا الحديث ونشره ... كتاب أتاني مدرجا بيدي نصر
سررت به لمّا أتى ورأيتني ... غنيت وإن كان الكتاب إلى مصر
وقلت رعاك الله من ذي مودّة ... فقد فتّ إحسانا وقصّر بي شكري
فهذا على البديهة.
وممّا كتب به إلى عبيد الله بن عبد الله، بعد أن استبطأه، وعاتبه، قوله [البسيط]:
يا موئلا لذوي الهمّات والخطر ... ومن عمدت لحاجاتي من البشر
هل أنت راض بأن يضحي نزيلكم ... والمستجيب لكم في حال مستتر
صفرا من المال إلّا من رجائكم ... ولابسا بعد يسر حلّة العسر
قل للأمير عبيد الله دام له ... عزّ الإمارة في طول من العمر
بدأت وعدا فعد فانظر لمنتظر ... فإنّ حقّ تمام الورد للصّدر
وقد بدا عود شكري مورقا فأجد ... سقياك أجنيك منه يانع الثّمر
فإنّما يسم الوسميّ مبتدئا ... وللوليّ نبات الروض والزّهر
والسيف يجلى فإن لم تسق صفحته