للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحرّار، التجيبي، الأندلسيّ، قيل له الحرّار لأنّه كان ينسج الحرير السقلاطون (١).

ذكره العارف محيى الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن العربي الحاتميّ، فقال: أحمد! وما أدراك ما أحمد! جمع الفضائل، واجتنب الرذائل، عرف [١٤٤ ب] الحقّ فلزمه، وكشف له عن السرّ فكتمه، فهو ممّن ينادى من وراء حجاب، قويّ المشاهدة، كثير المساعدة، وطيء الأكناف، حسن المعاشرة، سمح الخليقة، موافق فيما يرضي الله، نزيه الجانب، مخالف فيما لا يرضي الله. لزم الاسم فسما، وعمّ ذكره كلّ أرض وسماء، تراه كأنّه ذاهل، سريع الحركة كأنّه مطلوب بثأر، يخضع تحت سلطان وارد الأسرار، كثير المكاشفة.

كنّا إذا أخذنا في مسألة غيّب عنّا ثمّ يرجع فيخبرنا بوجه من وجوه ما نحن فيه (٢). لزم خدمة أخيه لم يخدم غيره، وكلّ ما هو فيه من بركة أخيه.

لقي شيخنا أبا العباس جعفر الغريبيّ، وأبا عبد الله بن جنيد، وجماعة من أصحابنا. أراد صحبتنا إلى مكّة لولا مرض أخيه.

حلّت بمصر المسغبة والوباء الذي هلك فيه أهلها. فمشى يوما فرأى الأطفال الرّضّع يموتون جوعا، فقال: يا ربّ، ما هذا؟ - فغيّب. فنودي:

يا عبدي، هل ضيّعتك قطّ؟

قال: لا.

قال: فلا تعترض! هؤلاء الأطفال الذين رأيتهم أولاد الزنا، هؤلاء هم قوم عطّلوا حدودي، فأقمت عليهم حدودي. هذه حدودي في كلّ من عطّل حدودي، فلا يكن في نفسك من ذلك! - ثم سرّي عنه. فبقي راضيا بتلك الحالة للخلق. وعنده من هذه المخاطبات كثير.

وأمّا الإيثار وتوسيعاتهما على الخلق، وتضييقهما على أنفسهما، فلا أجد فوقهما في ذلك. جمع الله بيني وبينهما في عافية، ولا فرق بيني وبينهما بعد ذلك.

وقد ذكره أيضا صفيّ الدين أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي المنصور (٣) فقال: منشؤه بإشبيلية. وكان ينسج الحرير السقلاطون، فسمّيالحرّار. وصحب بها رجالا، منهم أبو عبد الله ابن العاص. كان فقيها محدّثا، فحدّثه وتلقّن منه من العلوم الشرعيّة والأحاديث النبويّة ما أغناه عن الاشتغال بالعلم على العلماء. وكان كثير الاجتهاد في بلده، إلى أن سمع بأخبار الشيخ أبي أحمد جعفر [الأندلسيّ] أخصّ أصحاب الشيخ أبي مدين (٤)، فهاجر له من إشبيلية- وكان في شرق الأندلس. وخرج جماعة من المريدين معه. فلمّا وصلوا بلد الشيخ قالت رفقته: ترون أن نزور ابن المرأة؟ [وكان ابن المرأة رجلا ادّعى النبوّة] (٥).

فقال لهم أبو العبّاس: أنا ما هجرت إلّا للشيخ أبي أحمد!

فوافقه الجماعة ودخلوا على أبي أحمد. قال أبو العبّاس: فرأينا خلقا عظيما حوله ونقباء، كلّ نقيب تحت يده من المريدين جمع كبير. فأحضرنا بعض الخدّام بين يدي الشيخ، وأجلسنا صفّا فنظر إلينا ثمّ قال: إذا جاء الصغير للمعلّم، ولوحه ممحوّ، كتب له المعلّم. وإذا جاء ولوحه مملوء، [ف] أين يكتب له المعلّم؟ فالذي جاء به يرجع به.- ثمّ نظر نظرة أخرى وقال: من شرب من مياه مختلفة تغيّر


(١) السقلاطون: قماش من حرير مطرّز بالذهب (دوزي).
(٢) توفّي ابن عربي سنة ٦٣٨.
(٣) ابن أبي منصور: انظر ص ٣٥٩ أعلاه، هـ ١ وص ٤١٦ الآتية هـ ١.
(٤) أبو مدين التلمساني (ت ٥٩٤). انظر: عنوان الدراية ٥ - ودائرة المعارف الإسلاميّة.
(٥) الزيادة من الكواكب السيّارة ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>