للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مزاجه. ومن اقتصر على ماء واحد، سلم مزاجه من التغيّر- أشار بذلك إلى الجماعة في كونهم قصدوا رؤية غيره (١). وكان الله منّ عليّ بخلوي من ذلك- ثم أشار إلى الخدّام فأقامونا وأمروا أصحابي بالانصراف، وأفردوني وذهبوا بي إلى مكان فيه جماعة [ف] أجلسوني معهم. فممّا رأيت، دار فيها أربعمائة شابّ كلّهم مكاشفون.

قالوا: يا عربيّ، من يوم خرجتم من إشبيلية، اطّلعنا عليكم وعرفنا كلّ واحد منكم بأيّ وصف جاء.

فلمّا كان ثاني يوم، قصد جماعة من أعيان أصحاب الشيخ أن يتخصّصوا في موضع يجتمعون فيه، فأخذوني معهم، وقرأ قارئ عشر قرآن، وشرعوا في سماع نش [ي] د وذكر الله، وإذا ب [خادمين] دخلا فأخذا واحدا واحدا من الجماعة وخرجا به، إلى أن أخذاني وأخرجاني للباب فإذا متولّي المدينة، وزبانيته قدّامه، كلّ من يخرجو [ن] هـ من الجماعة يتسلّمه الزبانية ويحملو [ن] هـ إلى السجن.

فبقيت واقفا قدّام الوالي لا يبصرني ولا زبانيته [١٤٥ أ]. وإذا بالحائط قد انشقّ ودخل منه (٢) رجل عليه ثياب خضر [ف] أخذ بيدي وأخرجني من الشقّ وقال: انج أنت!

فمضيت لجامع البلد، والبلد قد ارتجّ بأخذ الفقراء. فلمّا سمع الشيخ بعث وحلّهم، وإذا بخادم الشيخ وأحد بني عمّه جاءا إلى الجامع وقالا: أجب الشيخ! - فمشيت معهما حتّى أدخلاني على الشيخ. فإذا الجماعة الذين كانوا معي حاضرين فجلست بين يديه. فقال للجماعة:

ما منكم إلّا من يمشي على الماء، ويطير في الهواء. لم لا عملتم كما عمل هذا؟ دخلوا عليه من الباب، خرج هو من غيره.

ثمّ أذن في الانصراف. فلمّا كان ثالث يوم، بعث إليّ فحضرت إليه فوجدت عنده جماعة وهو يتكلّم. فعند ما جلست أخذت وشهدت الشيخ قائما على رأسي، ومعه قدوم وهو يهدم فيّ وأنا أشهد أبعاضي كيف تتفرّق على الأرض كما يهدم الهادم. وكنّا في فلاة وهو يهدم إلى أن وصل إلى كعبي وطالع إلى أن عقد دماغي. فقمت فرفعت رأسي. فأطرق الشيخ برأسه وأشار بيده إلى الخادم، فأقامني وقال لي: قال لك الشيخ: قد استغنيت، سافر لبلدك!

فسافرت. وحين خرجت من بين يدي الشيخ انكشف لي العالم العلوي كشفا لا ينحجب عنّي منه شيء. وكنت أمشي على الأرض كالرغوة التي تجري فوق وجه الماء. ولمّا عدت لإشبيلية كان أصحابي ومعارفي يختلفون فيّ:

منهم من يقول: هو أحمد، ومنهم من يقول: ما هو هو!

وكنت أجيء إلى المسجد [ف] أخلع نفسي مع مداسي، وأكبّر خلف الإمام أشهد لمن أصلّي وخلف من أصلّي.

فقيل له: ما معنى: خلف من تصلّي؟

فقال: يقام لي إمام علويّ روحانيّ تأتمّ به روحانيّتي كما تأتمّ جثمانيّتي بالإمام الجثمانيّ.

(قال): دخل عليّ الخضر بمصر، فسلّم عليّ وقال لي: كن فردانيا!

فقلت له: من في الوجود فردانيّ!

قال: اثنان، أحدهما بوادي إبراهيم- يعني


(١) في المخطوط: إلى الجماعة في شغل تواطئهم بما يدعوه وكونهم .. والاختصار بحسب ما جاء في الكواكب السيّارة ١٥٢.
(٢) في المخطوط: قد انشقّت .. ودخل منا ..

<<  <  ج: ص:  >  >>