للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحجاز- والآخر بجزائر البحر، [فكان الشيخ ثالثهم] (١).

ودخل عليّ مرّة وقت السحر، فسلّم وقال: قد طلعت الشمس.

قلنا: أيّ شمس؟

قال: شمس الحقيقة.

فلمّا أراد الانصراف قلت: أوصني! - فنظر إلى رجليه ثمّ شمّر ثوبه، [و] أشار أن: اخدم وتواضع! - وكانت هذه صفة أبي العبّاس: يخدم كلّ شيء بجهده. فلمّا انقطع الشيوخ الذين كان يعرفهم خدم الفقراء.

وقال: لي نسبة من أربعة أنبياء: من العزير، ومن موسى، ومن إبراهيم، ومن محمد صلّى الله عليه وسلم. فنسبتي من العزير: متّ ثمّ أحييت. ونسبتي من موسى: سماع الكلم أسمعته وشهدته- يعني أنّه رأى الكلام.

ونسبتي من إبراهيم: شهود حقائق الكواكب التي تجلّت عليه، وشهود ما شاهده بعد أفولها وتوجّه إليه (٢).

وأمّا نسبتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فالرؤية لله تبارك وتعالى: أشهدني نفسه وقال: انظر هل تجد محلّا للزوجة والولد؟

قلت: لا وعزّتك يا ربّ!

قال: فأيّ شيء شهدته بعد هذا الشهود، إنّما هو عيد.

وكان سماعي الكلام وأنا ماش في سيوفيّي (٣) القاهرة بعد أن أقمت في الخلوة سنتين، وأنا أمشي

بين الناس. ولو كان لي حكم أو قدرة، بنيت فيه مسجدا!

وقال: كنت في بدايتي رأيت كأنّي فوق سطح جبل، وإذا بموسى وعيسى عليهما السلام.

فأخذني موسى إليه وأدخل إصبعيه السبّابتين من يديه في أذنيّ. حتّى خرقهما والتقت إصبعاه في رأسي. فقال عيسى: لم فعلت هذا به؟

قال: لأجل صاحبه- يعني النبي صلّى الله عليه وسلم، وكانت هذه الفعلة تمهيدا لسماع الكلام.

وقال: دخلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلم مرّة، فوجدته يكتب مناشير للأولياء بالولاية. وكتب لأخي محمّد منهم منشورا. فقلت: يا رسول الله، أما تكتب لي كما تكتب لأخي؟

فقال: أتريد أن تكون قهّارا؟ - وهذه لغة أندلسية تعني: طرقيّا (٤).

[١٤٥ ب] وقال: ما من شيء أخبر عنه الكتاب والسنّة من الغيب إلّا شهدته.

وقال: شهدت في العالم الروحانيّ الأوّل العلويّ جميع ما ظهر في هذا الوجود الحسّيّ على صور نورانيّة روحانيّة، ظهرت هذه الحسّيّة في الوجود على مثالها.

فقيل: أيّ شيء من ذلك تبيّنه لي؟

قال: شهدت كلّ رسول وهو يخاطب قومه على صورة ما ظهروا في هذا الوجود.

قال ابن أبي المنصور: وكنّا نفهم من حديثه أنّ الغيب كأنّه خزانة خلفه، متى أراد الدخول إليه دخل، وبشريّته كالثوب متى أراد خلعه [خلعه].

قال: ولمّا سافر [ت] من المغرب إلى ديار مصر، عبرت على المهديّة، فوجدت فيها الشيخ


(١) الإكمال من الكواكب السيّارة ١٥٤.
(٢) التركيب هنا مختلّ.
(٣) في المخطوط: سيوفيين. وسوق السيوفيّين معروف (انظر الخطط ١/ ٣٧٤).
(٤) لم نجد قهّارا بهذا المعنى عند دوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>