للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبا يوسف الدهمانيّ في رباطه على البحر. فبتّ عنده ثمّ سافرت. فلمّا وصلت إلى مصر وجدت فيها الشيخ [أبا عبد الله] القرشيّ، فتردّدت لميعاده [أيّاما] ولا أكلّمه. وإذا بالشيخ الدهمانيّ جاء من المغرب ونزل في حمى القرشيّ. فاتّفق أنّي لقيته وهو يحمل حاجة (١) له، وليس له من يخدمه، فعزّ عليّ، فجئت منزله وقلت له: يا سيدي، تأذن لي أن أخدمك ما دمت بمصر، بحيث تبقيني على الحال الذي أنا فيه؟

قال: افعل.

فخدمته، وكنت لا أتناول له شيئا. وكانت الحالة التي كنت مرادا بها في ذلك الوقت أنّي كنت في مخزن في فندق عند مسجد الهيثم بحيّ قشّ القصب الحلو، ومعي إبريق [وكنت] أكبّ (٢) زنّار حرير بدرهم أودعه عند البيّاع فآخذ منه كلّ عشيّة رغيفا أفطر عليه إلى أن يفرغ [الدرهم]. وأنا صائم- فأكبّ [زنارا] غيره (٣).

فاتّفق أنّ القرشيّ عمل لأبي يوسف وليمة ومدّ سماطا قعد عليه من حضر. وكان القرشيّ ضريرا.

وكنت أنا جالس [ا] إلى السماط ولم آكل شيئا.

فقال القرشيّ: يا قوم، من هذا الجالس ولا يأكل؟

قال له الخادم: أحمد الحرّار.

فسكت. فقال له أبو يوسف: لم لا تأمره بالأكل؟

قال: يا أبا يوسف، ما حكّمني في نفسه.

قال له أبو يوسف: أنا وجدته عندك.

قال له القرشيّ: هو رآك قبلي في المهديّة- ولم أكن أخبرت القرشيّ بذلك.

فسكت الاثنان.

ولمّا سافر أبو يوسف من مصر، خطبني القرشيّ لخدمته فامتنعت لأجل أخي- وكان من كبار الأولياء، وكنت أخدمه.

فقال القرشيّ: لا بدّ أن تخدمني- فوافقته، وكان حوله جماعة. فطلعت معه للقرافة وبتّ في خدمته تلك الليلة. فلمّا كان بعد الصبح قال لي:

يا أحمد، ما خلّاني أخوك البارحة أنام. امض إليه فقد آثرته بك.

فجئته وأخبرته فقال: صدق: البارحة، كنت أسأل الله عزّ وجلّ أن يقلب قلب القرشيّ حتى يتركك لي.

قال: وخرجنا جماعة من إشبيلية نريد السياحة. وكان من جملتنا محيى الدين محمد بن العربيّ، وحكّمنا أميرا للسنة رجلا يقال له ابن عمّار. فبينما نحن نمشي في البرّيّة، وإذا بالخضر أقبل. فلمّا رأيناه عرفناه، فكسا الجماعة صفة تعجيز وشاغلهم، وهو سائر يحادثهم، وهو يسلّم. فلم يستطع أحد منهم يردّ السلام سواي، وكلّ ذلك لآثار دعاو كانت عندهم.

وكنّا مرّة جالسين في مكان، وقد دخل علينا رجل لا نعرفه كسانا منه هيبة. فسلّم وركع.

والتفت للجماعة وقال: تصوّر سؤال: الوجود مملوء أم فارغ؟

فلم يجبه أحد. قال: آدم لمّا أكل من الشجرة، كان محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاضرا [أم غائبا]؟

فلم يجبه أحد. قال: لمّا خرجت حوّاء من ضلع آدم عليه السلام ما سدّ المكان الذي كانت فيه؟


(١) حاجة في اللهجات: شيء ماديّ يحمل أو معنويّ يقال.
(٢) كبّ الغزل: جعله كبّة.
(٣) الزيادة من الكواكب ١٥٣، والنبهانيّ ١/ ٣٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>