فتزوّج، ورزق أولادا، منهم ابنته التي زوّجنيها، وبعدها ولد أسماه أحمد، مات وهو صغير.
وكان، رضي الله عنه، يصلّي في مسجد، وكان ابن الواقف يقال له النجيب، يخدم بعض الأمراء.
فقبض عليه ذلك الأمير، فبعث يستجير بالشيخ.
فقال: لا أعرف أميرا ولا وزيرا. ما أقصد إلّا الله!
وطلع إلى المسجد بالقرافة، وصلّى فيه متوجّها إلى الله تعالى في حقّ صاحبه. فما جاء آخر النهار حتى أفرج عنه من غير سعي.
وجاء جماعة إلى الشيخ عند موته، فسألوه الدعاء للمسلمين بالنصرة على العدوّ، وكان الفرنج في دمياط [في] نوبة الملك العادل. فقال:
اللهم اجعلني فداء المسلمين!
فكان موته يوم كسرهم، وذلك يوم الثلاثاء لخمس بقين من شعبان سنة ستّ عشرة وستّمائة.
وكتب له الشيخ محيى الدين محمد بن العربيّ كتابا من دمشق، فيه: يا أخي، أخبرني بما تجدّد لك من الفتح.
فأجابه: جرت أمور، وردت عربيّة النظر، عجميّة الخبر.
فكت له ابن العربيّ: يا أحمد، توجّه إليّ بها بباطنك، أجيبك عنها بباطني.
فعزّ ذلك عليه. وكتب له: أشهدت الأولياء دائرة مستديرة، وفي وسطها اثنان، أحدهما الشيخ أبو الحسن بن الصبّاغ، والآخر رجل أندلسيّ.
فقيل لي: أحد هذين هو الغوث- فبقيت متحيّرا لا أعلم من هو فيهما. فظهرت لهما آية، فخرّا ساجدين، فقيل لي: الذي يرفع رأسه أوّلا هو القطب الغوث- فرفع الأندلسيّ رأسه أوّلا، فتحقّقته، فوقفت إليه [و] سألته سؤالا بغير حرف ولا صوت. فأجابني بنفثة نفثها أخذت منها جوابي. وسرت بشائر [ل] دائرة الأولياء أخذ منها كلّ وليّ بقسطه. فإن كنت يا أخي بهذه المثابة تحدّثت معك من مصر.
فلم يعد يكتب له في ذلك شيئا.
وكتب إليه الشيخ أبو الحسن ابن الصبّاغ كتابا نصّه بعد البسملة: من عليّ بن حميد للأخ في الله تعالى [١٤٧ أ] أبي العبّاس أحمد. أيّها الأخ الغريب في وقته، اسمع ثناي عليك، وشكايتي إليك: قد خلت المحاريب من المتهجّدين، وتداعت بالخراب مساجد الراكعين والساجدين، وأصبحت ديار الحقّ أطلالا، وصاحب الدين ممقوتا، وصاحب المال مرفوعا، واستطال الغنيّ على الفقير، وتغلّب كلّ شيطان مريد، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح الداعي إلى الله تعالى مهجورا، وأمسى الداعي إلى الهوى متبوعا. فطوبى لمن أطلق لسانه بذكر الله عزّ وجلّ، وطهّر قلبه ممّا سوى الله، وامتلأ سرّه بمحبّة الله عزّ وجل، وانطوى ضميره بنيّة الخير لعباد الله، وهشّت روحه شوقا إلى الله عزّ وجلّ، وكتفت نفسه بعلم الله تعالى، وكان له سرّ حسن مع الله.
يا أخي، خذ ما صفي، ودع الكدر، فما العيش إلّا في الصفاء. واعرف قدر العافية، واشكر عليها، وارض بالله كفيلا يكن لك وكيلا. وعظّم الله تعظم به، واذكره تذكر به.
والسلام معاد عليك وعلى جميع من لديك، ورحمة الله وبركاته. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله.
فقيل للشيخ أبي العبّاس: ما العافية التي تعرف قدرها والشكر عليها؟