للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الطواف، تذكّرته. فهممت أن أدعو عليه.

فقيل لي: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها. فدعوت له.

وكنت مرّة على ساحل نيل مصر، وإذا بجنديّ طلب قياسة (١) يعدّي فيها. فخاف صاحب القياسة من سخرته، فأخرجها من البرّ ليهرب بها. فلحقه الجنديّ فضربه في رأسه بالمقرعة. فهممت بالدعاء عليه، فقيل لي: ما حاجة تدعو إليه. بهذه الصف [ع] ة أعامله غدا على الصراط.

وكنت في بعض السياحات أحتاج إلى الاستجمار. فأخذت مرّة حجرا لأستجمر به.

فقال الحجر: سألتك بالله لا تنجّسني! فتركته، وأخذت غيره فقال لي كذلك. فتذكّرت ما رتّبه الشارع في ذلك. فأخذت الحجر وقلت له:

أمرني الله أن أتطهّر بك، وهو خير لك.

وكنت تركت أخي بمكّة وجئت إلى مصر.

فبعد ذلك جاءني ودخل البيت الذي كنت فيه.

ففرحت بقدومه. وقال لي: يا أخي، أنا جائع.

فقلت له: يا أخي، ما أملك [١٤٦ ب] شيئا، ولا أتكلّف شيئا، ولا أسأل أحدا شيئا.

فآخر كلامي معه بذلك، وإذا بعصفور كبير دخل من شبّاك البيت وألقى في حجري قيراطا كبيرا. فأخذته واشتريت له به أكل [ا].

وقال: لم أزل أتسبّب في الحرير إلى أن نهيت عن السبب. فبقيت ولم أتركه، تواضعا للعلم وسترا للحال، إلى أن قيل: تتركه وإلّا أعميناك- فتركته.

وقال ابن أبي المنصور: وعاش بعد ذلك عدّة سنين متّسع الدائرة بالعيال والأتباع، واسع النفقة.

وكان كريما ينفق من جيبه مالا يضعه فيه. ومات

ولم أجد له درهما واحدا.

ولمّا عزل عماد الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد العليّ ابن السكّريّ من قضاء القضاة، وتدريس الشافعيّ، وتدريس المشهد الحسينيّ، وخطابة القاهرة، لم يبق بيده سوى تدريس منازل العزّ بمصر، ثمّ أخذ منه.

فشكا ذلك للشيخ أبي العباس وأنّه لم يشقّ عليه إخراج شيء من مناصبه سوى منازل العزّ لكونها سكن عائلته، وهم كثير. فقال له الشيخ: يكون الخير.

فلما كان تلك الليلة وأصبح الشيخ قال: اليوم العصر يردّ للعماد مدرسته.

فسئل: كيف الخبر؟

فقال: قمت البارحة لوردي أصلّي، وقد خبّأته في زاوية من باطني، فقيل لي: غدا العصر تردّ عليه مدرسته.

فلمّا كان العصر جاءه توقيع جديد بها من غير سعي.

وقال له العماد: يا سيّدي، عندي جارية حامل.

فقال له: تضع غلاما اسمه عبد العزيز.

فوضعت فخر الدين عبد العزيز، درّس بعده بمنازل العزّ وولي خطابة القاهرة.

وقال ابن أبي المنصور (٢): وتزوّج الشيخ أبو العبّاس على رأس أربعين سنة، بعد أن قيل له:

تزوّج، ففي ظهرك ولد نريد إخراجه.


(١) القياسة: زورق ثقيل للملاحة على الأنهار (دوزي).
(٢) صفي الدين الحسين بن علي بن أبي المنصور الصوفيّ المالكيّ: كان من بيت وزارة فتجرّد وسلك طريق أهل الله على يد أبي العبّاس الحرّار المغربيّ، وتزوّج ابنته- الخطط ٤/ ٢٩٥. (٢/ ٤٢٨) وصنّف كتاب الرسالة في تراجم عدّة من المشايخ (ت ٦٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>