طريق اللاهين الآمنين المطمئنّين الذين أتبعوا أنفسهم هواها فوقفهم على طريق هلكتهم. لا جرم سوف يعلمون، وسوف يتأسّفون، وسوف يندمون، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: ٢٢٧].
وسمعته يقول: خالفتم الله فيما أنذر وحذّر، وعصيتموه فيما نهى وأمر، وكذبتموه فيما وعد وبشّر. وإنما تحصدون ما تزرعون، وتكافئون بما تفعلون، وتجزون بما تعملون. فانتبهوا من وسن رقدتكم لعلّكم تفلحون.
وسمعته يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من ربّنا؟ ثكلت عبدا أمّه أحبّ الله ونسي ما في خزائن مولاه.
وسمعته يقول: لا يقلّ مع الحقّ فريد ولا يقوى مع الباطل عديد.
وقال: إذا كنت بالليل نائما، وبالنهار هائما، وبالمعاصي دائما، فمتى ترضي من لم يزل لأمرك قائما؟
وعن بقيّة بن الوليد: كنت مع إبراهيم بن أدهم في بعض قرى الشام، ومعه رفيق له. فجعلنا نمشي حتى بلغنا إلى موضع حشيش وماء. فقال لرفيقه: أمعك شيء؟
فقال: نعم، في المخلاة كسيرات.
فجلس ينثرها فجعل يأكل، فقال: يا بقيّة، ما أغفل الناس عمّا أنا فيه من النعيم! ما لي أحد يموت، ولا أحد أهتمّ به.
فتغيّر وجهي. فقال: ألك عيال؟
قلت: نعم.
فقال: ولعلّ روعة صاحب عيال أفضل ممّا أنا فيه.
ثم قام. فقلت: يا أبا إسحاق، عظني بشيء!
فقال: يا بقيّة، كن ذنبا ولا تكن رأسا، فإنّ الذنب ينجو ويهلك الرأس.
ودخلت عليه، وهو يبكي في مسجد بيروت، ووجهه إلى الحائط، وهو يضرب بيديه جميعا على رأسه. فقلت: ما يبكيك؟
فقال: ذكرت يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار.
وعن إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول، ويتمثّل بهذا البيت إذا خلا في جوف الليل، بصوت حزين موجع القلب [مجزوء الخفيف]:
وفتيّ أخو ضنى ... وكبير أخو علل
فمتى ينقضي الرّدى ... ومتى ويحك العمل؟
ثمّ قال: يا نفس، إيّاك والغرّة بالله تعالى، وقد قال الصادق عزّ وجل: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: ٣٣].
وقال لرجل: ما آن لك أن تتوب؟
فقال: حتّى يشاء الله.
فقال له: فأين حزن الممنوع؟
وقال: إنّك إن أدمت النظر في مرآة التوبة بان لك قبيح شين المعصية.
وكتب إلى سفيان الثوري: من عرف ما يبطل هان عليه ما يبذل. ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن طال أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه.
وقال: خلّوا لهم دنياهم يخلّوا بينكم وبين أخراكم، وخلّوا لهم شهواتهم يحبّوكم.