للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كراي بمن معه على جرائد الخيل، وساروا (١) من حمص إلى حلب في يوم ونصف، ودخلوها ليلا، وأتوا باب القلعة، وأشاروا إلى نائب القلعة، وكان في انتظارهم. فأخرج لهم رجال القلعة بالسلاح وآلات الحصار، وزحفوا جميعا على دار النيابة.

وتلاحق بهم أمراء حلب. فسلّم [أسندمر] نفسه من غير قتال، وقيّد وسجن بالقلعة وأحيط بسائر موجوده.

ثمّ حمل إلى قلعة الجبل مع بينجار وأيبك [١٧٧ أ] الروميّ، فسجن بها. وبعث إليه السلطان مع طغاي الدوادار يسلّم عليه، ويأمره بعرض حوائجه. فقبّل الأرض ودعا للسلطان وسأله أن يقبّل الأرض عنه، ويسأل السلطان عن سبب القبض عليه، «فإنّي لا أعلم لي ذنبا يوجب هذا».

فقال السلطان: عد إليه، وعرّفه أنّي طيّب الخاطر عليه، وله عليّ خدمة. ولكن «أنت قلت للسلطان يوم خرجت من عنده وودّعته للسفر إلى الشام، وقد قال لك: أوصني، وعرّفني ما أصنع! - فكان جوابك: أوصيك يا خوند: لا تترك في دولتك كبشا كبيرا واخش (٢) مماليكك! - وهو يقول لك:

ما علمت اليوم بقي عندي كبش كبير غيرك!

فلمّا بلّغه طغاي ذلك سكت. فلم يزل في الاعتقال حتّى قتل في [ ... ] ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة بالكرك.

وكان شجاعا بطلا سائسا داهية، جبّارا ظلوما مهابا، من أحسن أشكال الرجال وأتمّها.

وكان كرجيّ الجنس له مهابة عظيمة في نفوس أهل الشام لشدّة جسارته، وجرأته على سفك الدماء بأنواع المثلة، من السلخ والشّنق والتوسيط

وكحل الأعين وقطع الأطراف، ومبالغة في هلاك الأجساد، وتعدّيه حدّ الإسراف.

وله مع ذلك سمعة ببلاد العدوّ وسطوة بين الطائفة النصيريّة. وكان عسوفا في أحكامه، كثير المال والحاشية، بلغت عدّة مماليكه خمسمائة مملوك.

وكان كثير المكارم في عطائه، ما من أحد من حاشيته إلّا وله سعادة ضخمة.

وكان أكولا نهما قويّ المعدة: إذا أصبح ابتدأ بالفطور على زنجبيل مربّى (٣) فيأكل منه رطلا بالميزان، وقدّم له منقل (٤) نار عمل عليه مائة بيضة نيمرشت (٥) يشربها، ثمّ يركب. فإذا نزل من الركوب مدّ له السّماط وقدّمت له خافقيّة فيها رميس (٦) فيأكله عن آخره. ويرفع السماط، ويوضع الطاري (٧)، وتقدّم له خافقيّة فيها عشرة ديوك خصى سمان جدّا، فيأكل منها ستّة. هذا غير الحلاوات والفواكه والنقل، وغير عشائه آخر النهار، وسوى ما يأكله في الليل، فإنّه كان يعمل له بعد [ال] عشاء الأخيرة كلّ ليلة خروفا سمينا مطجّنا فيأكله جميعه ولا يفضل منه شيء. ثم يعمل بيده من الحلاوة السكب (٨) صحنا كبيرا ويأكله كلّه.

وكان مرتّبه وهو بمصر في كلّ يوم سبعمائة رطل لحم من ديوان السلطان تحمل إليه، ويشتري عليها خمسمائة درهم. وكان له سماط عظيم جدّا.


(١) في المخطوط: وساقوا.
(٢) قراءة ظنّيّة، وفي المخطوط: واشي.
(٣) مربّى، أي معقود بالسكّر.
(٤) منقل: جفنة من حديد تعمّر بالجمر للشيّ.
(٥) بيضة نيمرشت أو نيمبرشت: مسموطة ومنعقدة (دوزي).
(٦) رميس: خروف مشويّ. والخافقيّة جفنة واسعة.
(٧) لم نفهم الطاري، ولعلّه اللحم الطريّ (دوزي).
(٨) ويقال أيضا: السكب العثمانيّة (دوزي).

<<  <  ج: ص:  >  >>