للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأتراك. ومعنى أطسز: ليس معه فرس، وهي كلمة تركيّة. وبعضهم يقول: أتسز بالتاء، عوضا عن الطاء، وأصله كما قلت لك أوّلا.

كان أمير دمشق، لقّب نفسه بالملك المعظّم، وهو أوّل من ملك دمشق من الأتراك وقطع منها دعوة الخلفاء الفاطميّين وأعاد دعوة خلفاء بني العبّاس. وكان سبب قدوم الأتراك إلى الشام أنّه لمّا تغلّب ناصر الدولة [الحسن] بن حمدان في سنة اثنتين وستّين وأربعمائة على مصر وقصد إبطال دعوة المستنصر بالله وتغيير دولته ندب الفقيه أبا جعفر محمد بن أحمد بن البخاري قاضي حلب وبعثه رسولا إلى السلطان ألب أرسلان أبي شجاع محمد بن داود ملك العراق وخراسان يسأله أن يسيّر إليه عسكرا ليقيم الدعوة العبّاسية وتكون له مصر.

فمضى أبو جعفر إلى خراسان وبلّغ السلطان ألب أرسلان رسالة ناصر الدولة ابن حمدان.

فتجهّز من خراسان في عساكر عظيمة ونزل الرها في أوّل سنة ثلاث وستّين وأربعمائة، وبعث إلى محمود بن نصر بن صالح بن مرداس صاحبحلب يستدعيه فخاف منه ولم يتجاسر عليه. فقطع السلطان الفرات فقال له الفقيه أبو جعفر: يا مولانا، أحمد الله تعالى على ما أنعم به عليك فإنّه لم يقطع هذا النهر تركيّ إلّا مملوك [ا]، وأنتم اليوم قد قطعتموه ملوكا.

فأحضر الأمراء والمماليك، وأمره فأعاد الحديث. فحمد السلطان الله على ذلك. ثمّ خرج إليه محمود بن نصر فأكرمه وردّه إلى حلب بعد ما نزل السلطان على حلب، وحاصرها شهرا في جمادى الآخرة، فقطع محمود خطبة المستنصر من حلب وأقام الدعوة العباسيّة. وعزم السلطان على المسير إلى مصر، فأتته الأخبار بأنّ ملك الروم قطع بلاد أرمينية يريد خراسان فعاد من حلب إلى بلاده وخلّف طائفة من الترك ببلاد الشام فيهم أطسز. فسار معه إخوته جاولي والمأمون وقزلو وشكلي إلى أعمال دمشق. ونزل عليها وحاصرها في يوم الثلاثاء تاسع رمضان سنة سبع وستّين وأربعمائة. ثمّ انصرف عنها يوم الثلاثاء النصف من شوّال، ومعه إخوته ففتحوا أعمال فلسطين.

ثم اختلف الأتراك فصار بعضهم مع أمير الجيوش بدر الجماليّ بعكّا وبلاد الساحل التي في يده، وبعضهم مع القاضي عين الدولة ذي الرئاستين أبي الحسن محمد ابن القاضي أبي محمد عبد الله ابن القاضي أبي الحسن عليّ بن عياض بن أحمد بن أبي عقيل صاحب صور.

وبقي أطسز وإخوته بفلسطين، وفتح الرملة وطبريّة وبيت المقدس [٢٠٧ ب] وصار يحاصر في كل سنة دمشق ويرعى زرعها. ومنع الزراعة حتى صارت الغرارة [من] القبح تباع بعشرين دينارا.

فلمّا كانت [١٨٩ ب] سنة سبع وستّين [وأربعمائة] حاصر شكلي بن أوق ثغر عكّا وأخذه بالسيف وقتل الوالي. فسارت إليه عساكر دمشق وحاربوه على طبريّة.

وفي سنة سبع وستّين حاصر أطسز بن أوق دمشق في يوم السبت سلخ ذي الحجّة عقيب هروب معلّى بن حيدرة. ورحل عنها يوم الجمعة لأربع خلون من صفر سنة ثمان وستّين، وذلك أنّ معلّى بن حيدرة بن منزو (١) لمّا أساء السيرة بدمشق وثار الناس عليه فرّ منها إلى بانياس فأقاموا عليهم الأمير رزين الدولة انتصار بن يحيى المصموديّ زمام (٢) عسكر معلّى بن حيدرة في يوم


(١) معلّى بن حيدرة الكنانيّ- أو الكتاميّ- كان واليا على دمشق من قبل المستنصر: اتّعاظ ٢/ ٢٧٦ و ٢٩٠.
(٢) زمامهم أي المقدّم عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>