للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأحد مستهلّ المحرّم منها. وقدم أطسز إلى دمشق في شعبان ولم يزل محاصرا لها حتى غلت الأسعار ولم يقدر على شيء من الأقوات وبلغت غرارة الحنطة نيفا وعشرين دينارا.

ثم إنّه فتح البلد صلحا، ودخلها هو وعسكره يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي القعدة منها، وقطع خطبة المستنصر منها وأبطل الأذان بحيّ على خير العمل وأقام الخطبة للإمام المقتدي بأمر الله أبي القاسم ابن الذخيرة بن القائم بأمر الله العباسيّ في يوم الجمعة خامس عشرين ذي القعدة، ونظر في أمور دمشق وأحوالها وكثر عسكره.

ثم فرّ إليه من مصر [تركان شاه ابن بلدكوش] (١) خوفا من أمير الجيوش بدر الجمالي.

وحدّثته نفسه بأخذ مصر فسار إليها في سنة تسع وستّين وأربعمائة، وقد سار إليه ناصر الجيوش أبو الملوك تركان شاه ابن سلطان الجيوش بلدكوش، وأهدى إليه ستّين حبّة لؤلؤ تزيد زنة الحبّة منها على مثقال، وحجرا من ياقوت زنته سبعة عشر مثقالا، في تحف كثيرة ممّا كان قد أخذه أبوه من خزائن القصر. وأغراه بأخذ مصر وأطمعه في أهلها. فحشد وهم على حين غفلة. وكان أمير الجيوش بدر قد خرج لقتال العرب بالصعيد. فنزل أطسز في أرياف مصر وأقام بها شهر جمادى وبعض شهر رجب، ومعه نحو الخمسة آلاف.

فلمّا بلغ ذلك أمير الجيوش قدم إلى القاهرة واستعدّ إلى لقائه. وخرج في يوم الخميس سابع عشر رجب، وسيّر المراكب في النيل بالعلوفات والميرة، وسار في نحو الثلاثين ألفا ما بين فارس

وراجل. فخافه أطسز وعزم على العود عن مصر إلى الشام، فلم يوافقه أصحابه على ذلك وقالوا له: قد وطئت ديارهم، وتعود بغير فائدة؟

فلم يلتفت إلى قولهم. فقال له أخوه المأمون وابن بلدكوش: لا تغرنّك كثرتهم، فإنّهم سوقة، وصيحة واحدة تهزمهم. فلا ترجع عن هذا الملك الذيأشرفت على أخذه!

وما زال به أخوه (٢) حتى تقدّم للقتال في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه. وقدم أمير الجيوش.

فتراخى أطسز عن الحرب إلى الليل بعد ما استظهرت ميمنته. فأحاطت العرب به من ورائه ونهبوا سواده، فانهزم وقتل أخوه المأمون، ولحق أطسز بغزّة وأقام بالرملة حتّى وصل إليه من بقي من عسكره. ودخل دمشق يوم السبت العشرين من شعبان [سنة ٤٦٩].

وعاد [١٩٠ أ] أمير الجيوش مظفّرا، فندب العساكر مع ناصر الدولة [أفتكين] (٣) الجيوشيّ وبعثه إلى دمشق فحصرها أيّاما، وعاد في سنة سبعين.

فلمّا خاف أطسز من ظفر أهل مصر راسل تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان يستنجده، فتحرّك لذلك وسأل أخاه السلطان ملك شاه ابن ألب أرسلان أن يولّيه الشام، فأقطعه السلطان أبو الفتح ملك شاه ابن ألب أرسلان الشام وسار إليها ونزل على حلب في سنة إحدى وسبعين، فلم يقدر


(١) الاتّعاظ ٢/ ٣١٢، ٣١٧، وقرأ الناشر: وكان شاه عوض:
تركان شاه، وهو اسمه الوارد في ترجمته بالمقفّى ٢/ ٥٨٧ رقم ١٠٢٦.
(٢) هو شكل التركيّ أمير طبريّة وأخو أطسز كما في ترجمة بدر الجمالي رقم ٢/ ٣٩٤ رقم ٩١١.
(٣) بياض بالأصل والإكمال من ترجمة بدر أمير الجيوش، وناصر الدولة أفتكين الجيوشيّ عرّفه المقريزي في الاتّعاظ ٢/ ٣٣٣: نصر الدولة أفتكين أجلّ غلمان بدر.
وفي الكامل (سنة ٤٧١): قائد يعرف بنصر الدولة، لا غير، وكذلك عند ابن القلانسيّ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>