للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الخدمة [٢١٤ أ] وقصد السلطان أن يريحه من الخدمة، وأسرّ إليه أنّه إن علم أنّ الأمير يختار التوجّه إلى طرابلس ويكون خاطره طيّبا فليتوجّه، وإلّا فليقم على حاله.

فلمّا بلغه ذلك ابتسم وقال: أنا ما أشتهي التوجّه، ولا أخالف المرسوم، ثم قال: والله، ما بقي يخلّينا هنا ولا هناك.

فما زال المصري يتلطف به حتى أجاب بالسمع والطاعة، فخلع عليه السلطان من الغد وحمل إليه ألف دينار. ثمّ استدعاه وطيّب خاطره وبعث معه الأمير سيف الدين برسبغا متسفّرا ليقلّده النيابة على العادة. فلمّا وصل بلبيس بعث إلى برسبغا بأنّي أريد أن أكون في مسيري منفردا، ولا أحبّ أن أبقى معك في الترسيم إن ركبت ركبت معي، وإن نزلت نزلت معي، فسر وحدك وأنا أسير وحدي، فإنّي والله ما أهرب.

فلم يجد بدّا من موافقته لما يعلم من حدّة خلقه، حتى قدم به طرابلس، فأقام بها، وهو يبالغ في طلب الإقالة، وأن يكون بالقدس، إلى أن وصلت مركب للفرنج فيها عدّة سرّاق إلى ميناء طرابلس تطلب غرّة المسلمين [٢١١ أ] (١)، فركب إلى محاربتهم ومعه طوائف الناس. فدفعت الريح مركب الفرنج عن الميناء وعاد بها أهلها من حيث أتوا، فلم يجد النائب بالميناء مركبا للمسلمين ليتبع به الغريم. وذكر أهل البلد أنّ الفرنج قدموا في السنة الماضية وأخذوا من الميناء مركبا للتجّار. وهم هؤلاء الذين نراهم. فوقف حتى هيّأ الآلات لعمل مركب أنفق فيه أربعين ألف درهم من ماله، إلى أن كملت عمارته، فقدمت مركب فرنج متحرّمين، فركب في العسكر وأخرج

المركب التي أنشأها وفيها عدّة من المقاتلة، في طلبهم، فقاتلوهم وأخذوهم بعد ما قتلوا منهم جماعة كثيرة، وعاد ومركب الفرنج معهم. وكان لقدومهم فرح زائد بطرابلس، وأخرج بالفرنج مشهورين، وفيهم صاحب المركب، وله معرفة باللسان العربيّ، وقوّة نفس وشهامة. فأنكر أن يكون حراميّا، و [قال] إنّه تاجر، وقد نهب ماله وكان شيئا كثيرا. فذكر بعض التجّار أنّه يعرف هذا الفرنجيّ وأنّه كان بقبرس فخرج عليه هذا في طريقه وقاتلهم في البحر وأخذ مركبهم. واعترف أيضا بعض من مع الفرنجيّ من النواتيّة بأنّ هذا الفرنجيّ حراميّ، وأنه هو الذي قدم في السنة الخالية إلى ميناء طرابلس وأخذ منها المركب.

فبعث حينئذ النائب وأحاط بموجوده، وكتب يعرّف السلطان الخبر بنصّه فأجيب بالشكر، وحمل الفرنجي فبعث به مقيّدا. فلمّا مثل بين يدي السلطان أكثر من التظلّم، وأنه تاجر قصد بلاد السلطان بهديّة سنيّة ليقدّمها له، ويتبضّع في بلاده، فأخذ نائب طرابلس أمواله وجعله حراميّا.

فشقّ ذلك على السلطان وطلب الأمراء حتى سمعوا هذا من الفرنجي. وأخذ ينكر على الأمير آقوش ويقول: انظروا ما يعمل في بلادي كيف يفسد عليّ التجّار حتى يشاع عنّي قبح السيرة في الممالك.

فاستطال الفرنجيّ عند ذلك في الكلام وشنّع في القول بحيث رحمه الأمراء.

ثمّ كتب للأمير جمال الدين آقوش بإعادة مركب الفرنجيّ إليه وجميع ما أخذ له، فإنّه رجل تاجر، والتاجر لا يتعرّض له. فلم يوافق [آقوش] على ذلك وأجاب بأنّ الناس قد تحقّقوا بأنّه مؤذ يقطع الطريق، فلا يسمع السلطان قوله فإنّه كذب.


(١) انقطع هنا مخطوط ليدن.

<<  <  ج: ص:  >  >>