للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكتب إليه بإعادة المركب وجميع ما أخذ إلى الفرنجي. فلم يجد عند ذلك بدّا من تسليم المركب للفرنجيّ. وكتب يسأل الإعفاء من النيابة، فأجيب بالإعفاء، وأنّه يتوجّه إلى صرخد أو بعلبك. وتوجّه إليه الأمير برسبغا، فسار من طرابلس إلى دمشق ليلبس خلعة صرخد من الأمير تنكز نائب الشام. فخرج إليه تنكز وتلقّاه وعمل له سماطا [٢١٤ ب] في دار السعادة. وحضر الأمراء فأمسكوه على السماط، وسجن بقلعة دمشق في يوم الخميس نصف جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين. ثم نقل منها إلى صفد فسجن بقلعتها.

ثم حمل من صفد إلى الإسكندريّة في مستهلّ شوّال. وأعيد الأمير طينال إلى نيابة طرابلس.

فلم يزل آقوش بسجن الإسكندريّة إلى أن أشاع السلطان بأنّ نائب الإسكندريّة بعث يستأذن في تمكين الأمير جمال الدين آقوش من إدخال المزيّن إليه ليقطع سلعة (١) ظهرت له في وسط رأسه. ثم بعث السلطان بابن منيف مقدّم الرماة ليمضي قضاء الله فيه، فقتله في يوم [الأحد سابع جمادى الأولى] سنة ستّ وثلاثين وسبعمائة، فدفن بها ثم نقل [ ... ].

وكان شكلا غريبا في هيئته وزيّه، فإنّه خرطمانيّ (٢) الجنس. وكان عليه وقار وله حرمة وافرة ومهابة زائدة، بحيث إذا رآه من لا يعرفه هابه. وكانت أخلاقه صعبة، يضرب الألف عصا وأكثر، فمات جماعة تحت ضربه، منهم أحد بازداريّة السلطان: رآه خارج القاهرة بأراضي اللوق، وهو يشتم سقّاء عنده ويشتم أستاذه.

فضربه أكثر من ألف وهو يقول له: أنت وإيّاه تتشاتما [ن]، إيش كنت أنا؟ - فمات بعد يومين.

وهذه إحدى ذنوبه عند السلطان.

وقتل جارية السلطان زوجة بكتمر الساقي بسبب الميراث، لأنّ ابنته أيضا كانت زوجة بكتمر فضرب الجارية ستّمائة عصا.

وعمّر تحت الجبل مغارة كان يخلو فيها عدّة أيام، واتّهم أنّه كان يحفر فيها رغبة في الظفر بالمطالب (٣)، فكان يركب من بيته آخر الليل، وتارة يخرج ماشيا، وغلامه يقود الفرس وراءه، ومعه مملوك واحد، حتى يصل إلى الجبل ماشيا. وكان يخرج إلى الخدمة أحيانا وهو ماش حتى يصل إلى القلعة، والفرس على يد الغلام.

وأنشأ الصاحب أمين الملك في وزارته حوانيت بجانب باب النصر ليعمل علوّها ريعا، فبعث إليه بأنّ هذا الباب يدخل منه رسل ملوك الشرق، وما ينبغي أن يضيّق بالبناء فيه، فلم يكترث بقوله.

فتركه حتى كمل البناء وركب ومعه غلمانه وهدمه إلى الأرض.

وجدّد بناء قبّة النصر تحت الجبل، وتولّى عمارتها من مال السلطان. وكان فيه خير، وله صدقات وبرّ ومعروف.

وأنشأ جامعا في طرف الحسينيّة بجوار قناطر الإوزّ خارج القاهرة.

وكان يعمل في يوم العيد سماطا نظير سماط السلطان، فإذا فرغ الناس من أكله عبأ أطباقا كبارا، في كلّ طبق أربع زباديّ (٤) كبار وصحن مطويّ وبعث إلى جميع جيرانه حتى يعمّهم كلّهم، ثم يبعث إلى بيوت أجناده وبيوت مماليكه وبيوت غلمانه كلّ واحد باسمه، ثم يتصدّق بما بقي. ولم


(١) السّلعة: تورّم يبرز بالرقبة أو غيرها.
(٢) خرطمانيّ: طويل الأنف (دوزي).
(٣) المطالب: الكنوز المخفيّة في باطن الأرض.
(٤) الزبديّة: الجفنة والصحن الكبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>