للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعرف عنه أنّه باع من شونته (١) إردبّا فما فوقه، بل جميع غلاله على كثرتها ينعم بها ويتصدّق بها.

ولم يمرض قطّ فإنّه كان قليل الأكل بحيث لا يتناول الغداء في الأسبوع سوى مرّتين.

وما خرج قطّ في تجريدة إلّا وقام لجميع من يرافقه بجرايته وعليق خيله وأكله، من يوم خروجه من القاهرة إلى يوم قدومه.

وطلع مرّة إلى سطح داره فرأى بادهنج (٢) مرتفعا لموسى اليهوديّ صيرفيّ الأمير بكتمر الساقي، فبعث غلمانه فهدموه إلى الأرض.

وكان لا يلبس المفرك ولا المصقول (٣)، ويتوجّه إلى الحمّام سحرا وبيده طاسة ومئزر حتى يغتسل، من غير أن يرافقه أحد من غلمانه ولا مماليكه. فعرفه مرّة بعض الناس فأخذ حجرا وحكّ رجليه وغسله بسدر، وهو لا يكلّمه. فلمّا خرج طلب الرجل وأمر به فضرب، وقال: أنا ما لي مملوك، ما عندي بابيّة، ما لي غلمان حتى تتجرّأ عليّ.

وكان إذا خرج إلى جامعه لا يجسر أحد من مماليكه، ولا من قوّام الجامع أن يقيم به، بل يبقى فيه وحده، ومتى رأى فيه ترابا أو خللا ضرب قوّامه، فلم يشعر يوما إلّا [٢١٥ أ] بجنديّ من الأكراد قد بسط له سفرة فيها قصعة لبن ورقاق.

فقال له: من أعلمك بي!

قال: والله، ولا أحد!

فطلب مماليكه وأكل، وأمر له بستّمائة درهم.

فاتّفق أن جاءه كرديّ آخر في الجامع بعد هذا بمثل

ذلك، فضربه ستّمائة عصا.

وكان إذا مات لأحد من أجناده فرس أعطاه ستّمائة درهم.

وكان يوقّع بخطّه على القصص فيغرب فيما يوقّع به: فمن ذلك أنّه لمّا كان في نيابة دمشق رفع إليه رجل قصّة يسأل فيها الحضور. فوقّع عليها بخطّه: الاجتماع مقدّر.

وكتب إليه شابّ جميل الصورة (٤) قصّة يسأل فيها إقطاعا، فوقّع عليها بخطّه: من كان يومه بخمسين وليلته بمائة، ما له حاجة بالجنديّة!

وكتب إليه إنسان وهو بالكرك: قد كثرت أذيّة هؤلاء الصبيان للمملوك ويسأل كفّهم عنه، فوقّع بخطّه: إن لم تصبر على أذى أولادهم، وإلّا فاخرج من بلادهم! .

ووقّع لآخر جرت له كائنة في الليل: قد أحصيناك، فإن عدت إلى مثلها خصيناك.

ولمّا أمسك بدمشق قال لتنكز: أمّا أنا فقد أمسكت، ولكن خذ أنت حذرك منه! - وأوصى تنكز لمّا عيّن لنيابة دمشق بعده، فقال: إن أردت أن تقيم نائبا فافعل ما أقول لك: اعلم أنّه يتلقّاك أهل غزّة إلى قطيا بالفاكهة والحلوى والخيول والتقادم. فإذا وصلت إلى غزّة جاءك أهل دمشق بالتقادم إليها. فإذا دخلت دمشق جاءوا إليك وقالوا لك: هذا الصاحب عزّ الدين القلانسيّ محتشم كبير [و] رئيس دمشق، والسلطان وغيره يقبل تقادمه وهداياه، وقد عمل ضيافة وجهّزها إليك- فتأخذها فيجيء إليك غيره ويقول: يا خوند، ينكسر خاطري لكونك ما جبرتني مثل فلان- فتقبل منه، فتقدّم لك الخيول وغيرها، وتنحلّ الإقطاعات والإمرة والوظائف، فيأتون


(١) الشونة: مخزن الحبوب (المطمورة).
(٢) البادهنج والبادنج: مخرج الدخان من السطوح.
(٣) المصقول: قماش خفيف يلبس في الصيف، أمّا المفرك فلا نعرفه.
(٤) في المصادر الأخرى: أمرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>