للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نيابتها، إرضاء لخاطر تنكز.

فسار من الغد وقد شقّ عليه ذلك، فتألّم له الأمراء. فلمّا خرج تنكز من مصر عائدا إلى دمشق سار الطنبغا ليتلّقاه بالداروم وعمل له سماطا يليق به. فلم يأكل منه غير لقمة واحدة، وركب ولم يبشّ لألطنبغا ولا استدناه حتى نزل بالميدان ظاهر غزّة، فأكبّ الطنبغا يقبّل [٢٢١ أ] يده، وكشف رأسه واعترف بالخطإ. فأقبل حينئذ عليه وحادثه وأكل طعامه وطاب خاطره عليه، ثمّ سار بعد ما خلع عليه.

فلم يزل على نيابة غزّة إلى أن تغيّر السلطان على تنكز. [ف] كتب إليه بنيابة دمشق، وأنّ الأمراء واصلون إليه بالعسكر حتى يسيروا معه إلى دمشق، وأنّ الأمير طشتمر قد رسم له بالتوجّه من صفد إلى دمشق ليجتمع هو والأمير قطلوبغا الفخريّ وأمراء دمشق ويقبضوا تنكز. فسرّ بذلك أعظم مسرّة، وأخذ في الأهبة للمسير، وقدّم أحد نجّابته بملطفات إلى أمراء دمشق بذلك، فبقوا على أتمّ استعداد إلى أن قدم عليهم الأمير طشتمر نائب صفد وقبض على تنكز كما ذكر في ترجمته (١)، وبعث به إلى مصر، ونزل بالمدرسة النجيبيّة. وقام الأمير قطلوبغا الفخريّ وبقيّة أمراء دمشق بحفظ المدينة.

فقدم مملوك الأمير الطنبغا إلى الأمير طشتمر بعوده إلى صفد، فتوجّه إليها. وقدم العسكر من مصر إلى غزّة صحبة الأمير بشتاك، والأمير أرقطاي، والأمير برسبغا، فتلقّاهم الأمير الطنبغا وأنزلهم، ثم سار معهم يريد دمشق. فالتقوا مع تنكز على بيسان وهو محتفظ به ومرّوا لمقصدهم.

فقدم الأمير الطنبغا، والأمير بشتاك ومن معهما

دمشق في يوم الاثنين سادس المحرّم سنة إحدى وأربعين. فخرج الناس إلى لقائهم، ونزل الطنبغا بدار السعادة على العادة، ونزل بشتاك بالميدان، وتفرّق بقيّة الأمراء في عدّة أماكن.

وركب من الغد يوم الثلاثاء الطنبغا [إلى] الموكب ومعه الأمراء. وقبض على الأمير صاروجا المظفّريّ، والأمير الجيبغا العادليّ، وجنغية وطغية (٢)، وأوقعت الحوطة على موجودهم، وعوقب جنغية وطغية وعوقب حواشيهما وأسبابهما، ثم وسّطا تحت قلعة دمشق. وأكحل صاروجا، وتتبّعت أموال تنكز، وتولّى بيعها الطنبغا وأرقطاي مدّة شهر، فكان في ذلك أعظم عبرة، فإنّ تنكز لم يعرف عنه أنه قصد أحدا فخاب قصده، إلّا في الطنبغا وأرقطاي، فإنّه ما زال يحاول قتلهما، والأقدار تحول بينه وبينهما، بحيث إنّ السلطان كان يقول بعد قتله لتنكز: والله ما خلّصت الطنبغا وأرقطاي منه إلّا كما تخلّص من الأسد فريسته.

ونودي بدمشق: «من [ترك] تنكز عنده وديعة [فل] يحضرها، فإنّه كتب كلّ ماله في أوراق عند السلطان.

فخاف الناس وأتوا بما عندهم، وصودر جماعة كثيرة من الناس بدمشق وأخذت أموالهم فكانت أيّام نكدات.

ثم رسم بتجهيز عساكر الشام لأخذ توريز، فتأهبّبوا لذلك وأنفقوا في إصلاح شأنهم مالا كثيرا تكلّفوا له. وبينا هم في ذلك إذ قدم الخبر بموت السلطان فبطلت التجريدة، وحلف الأمراء


(١) ترجمة تنكز رقم ١٠٣٤.
(٢) «وهما من الزام تنكز» (أي أتباعه)، السلوك ٢/ ٥٠٧، وسيسمّيهما في ص ٢٤٥: جنغاي وطغاي. وانظر الوافي ١١/ ١٩٦ رقم ٢٩٤ (جنغاي) و ١٦/ ٤٦ رقم ٤٨٠ (طغاي).

<<  <  ج: ص:  >  >>