للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بحلب ثم نقل منها إلى بيت المقدس. وكتب المستنصر إلى سائر البلاد الشاميّة بأنّ [٢٣٠ أ] تابوته إذا مرّ ببلد يخرج أهل ذلك البلد ويصلّون عليه ويمشون خلفه. وسيّر إليه ثوب من ثياب الخليفة كفّن فيه. وحمل من حلب إلى القدس، فلم يمرّ ببلد من البلاد، إلّا خرج عامّة أهله وصلّوا عليه ومشوا خلف تابوته وشيّعوه حتى دفن بالقدس.

وكان رحمه الله حسن السيرة محمود الطريقة وافر الذكاء، مظهرا للعدل متين الدين. وفي آخر عمره انحرف عن مذهب الإسماعيليّة، وكان هذا أعظم أسباب الوحشة بينه وبين أهل الدولة بمصر.

وخلّف بعد موته ستّمائة ألف دينار عينا، وترك آلات وعروضا قوّمت بمائة ألف درهم. ونهب له من القصر بدمشق مائتا ألف دينار. ووجد له بديار مصر وبلاد فلسطين مبلغ مائتي ألف دينار. ووجد له عند التجّار مبلغ خمسين ألف دينار.

وكانت له مائدة من الفضّة تنقسم على أربع قطع وتجتمع بزرافين (١) حسنة الصنعة، وزنها بالرطل الشاميّ (٢) [٢٢٥ أ] مائة وثلاثون رطلا.

وكان إذا دخل إلى مدينة يكون معه ألف بوق وستّمائة قصبة فضّة وثلاثمائة بوق فضّة صغار، وثلاثمائة جنيب، منها ثلاثون عليها سروج الذهب والزمرّد والعنبر.

ومن جميل أفعاله أنه لمّا كان بالقاهرة بلغه أنّ ببعض بلاد الصعيد نخلة تحمل في كلّ سنة عشرة

أرادب تمرا فأخذها، فلم تحمل في تلك السنة شيئا. فقيل له: إذا ظلم السلطان انتزعت البركة- فتاب إلى الله تعالى من الظلم وترك النخلة لأربابها.

وكان خليج الإسكندريّة لكثرة ما فيه من الأسماك تمسك بالأيدي ويأخذها الصبيان، فضمنه، فلم يؤخذ منه في تلك السنة شيء، ولا وجد في الخليج سمكة واحدة.

وورد عليه كتاب عبد الصمد بن أبي الفوارس صاحب طرابلس يعرّفه فيه غرق شلنديين، ونصّه بعد البسملة: أعرّف الأمير أعزّه الله- أي حفظهالله- أنّ شلنديين- أي مركبين- صقعا من جانب البحر- أي غرقا- من شدّة موجه فهلك من فيهما- أي تلفوا.

فكتب إليه يوسف بن عليّ الفلاحي وزير الدزبري بدمشق عنه: ورد كتابك- أي وصل- وفهمناه- أي علمنا ما فيه- فأدّب كاتبك- أي اصفعه- واستبدل به- أي اعزله- فإنّه مائق- أي أحمق- والسلام- أي انقضى الكتاب.

فأعجب الدزبري ذلك وأعطاه ألف دينار.

ويقال: إنّ الدزبري مات مسموما لكثرة معاداة الجرجرائيّ له، وأنّه هو الذي بعث إلى أهل دمشق حتى قاتلوه ونهبوا ماله، والله أعلم.

والدّزبريّ بدال مهملة مكسورة ثم زاي معجمة ساكنة من بعدها باء موحّدة مكسورة وراء مهملة:

نسبة إلى مولاه دزبر بن أونيم الديلمي.

[٢٣٠ ب] ولأنوشتكين هذا صنّف أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرّيّ كتاب «شرف السيف» وقد بلغه عنه كلام جميل وتوجّه إليه بالسلام ويحفي المسألة عنه فأراد جزاءه على ما فعل.

وصنّف له أبو الهيجاء فارس بن حسن بن


- الذيل ٧٨: جمادى الأولى ٤٣٦. وفي ترجمة ثمال بن مرداس (رقم ١٠٤٥): في النصف من جمادى الأولى.
وفي الكامل ٩/ ٢٣١): بعد ربيع الآخر سنة ٤٣٣ بشهر واحد.
(١) الزرفين: حلقة للباب ونحوه (فارسيّة).
(٢) الرطل الشاميّ: ١٨٥٠ غراما في العهد المملوكي.

<<  <  ج: ص:  >  >>