فاتك المجنون غلام أبيه من كافور. فوعده بنصرته وأظهر الخلاف على كافور. ثم أمسك عن قتاله وقدم عليه واتّفق معه. فغضب أونوجور من اتّفاقهما وخرج إلى المختار بالجزيرة. فقلق كافور واضطرب البلد. فلم يزل الشريف أبو [جعفر] مسلّم يمشي بينهما حتى دخل أونوجور ونزل في داره بالحمراء. فركب إليه كافور في جيش عظيم ومعه الشريف مسلّم ودخل عليه وقام بين يديه، وأونوجور لا يرفع وجهه إليه ولا يكلّمه، وهو مطرق. وأمر الشريف بالجلوس، فاحتشم من كافور وقال لأنوجور سرّا: الرجل قائم، وأنا أنصرف معه وأعود.
فقال: عد إليّ.
فأخذ مسلّم بيد [٢٣٣ ب] كافور وانصرفا.
فاستوحش كافور وخافه. وكان أونوجور شجاعا مقداما. فلمّا كان بعد أيّام ركب بعد المغرب ومعه شاكريّان وهو متقلّد سيفا حتى وافى دار كافور، فتهارب البوّابون والحجّاب ومرّوا سراعا إلى كافور. فلمّا أعلموه قام يعدو إلى لقائه وقبّل يده.
فقال له أونوجور: أأمنت يا أبا المسك؟ لو أردنا شيئا عملناه الساعة.
وانصرف. فما جسر كافور يخرج معه وأنفذ إليه هديّة كبيرة. وكانت أمّ أونوجور هي التي ترفق به وتكسره عن كافور. فلم تزل الوحشية بينهما إلى أن اعتلّ علّة شديدة مات منها في يوم السبت لسبع خلون من ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وهو يوم خروج الحاجّ. فركب كافور إلى الجنازة وصلّى عليه وحمل إلى بيت المقدس ليدفن عند أبيه. فكانت ولايته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.
ومات وله من العمر إحدى وثلاثون سنة.
وكان مشغولا بالصيد والأكل والشرب والتنزّه والأشعار، ولم يقتل أحدا، ولا عاقب أحدا ولا صادره. وكان كالمغلوب مع كافور. ويحكى عنه شجاعة وسماحة وعفو كثير.
قال الشريف عبد الله أخو مسلّم: وقفت مع شبيب العقيليّ لننظر أونوجور وقد ركب. فقلت:
كيف رأيت العسكر؟
فقال: رأيت شخوصا وبطونا وخصيانا، وما رأيت في العسكر غير صاحبه- يعني أونوجور.
وكان لأنوجور في كلّ سنة أربعمائة ألف دينار جارية عليه من ضياع سلّمت إليه، وله كاتب نصرانيّ يقال له إبراهيم بن مرزوق، وسائر التصرّف لكافور.
وأمّه أمّ ولد اسمها كروم.
ووزر له أبو علي الحسين ابن أبي بكر محمد بن علي الماذرائي، ثم أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات.
وفي أيّامه نزلت الروم على البرلّس وعلى إخنا فشعّثوا وانصرفوا في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. ونزلوا بالفرما وشعّثوا ثم ساروا إلى البرلّس فنفر إليهم في آخر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة. ثم نزلوا على الفرما أيضا في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
فخرج المسلمون إليهم وأخذوا مركبا وقتلوا من فيه وأسروا عشرة.
وفي أيّامه سار صاحب النوبة في جيش عظيم وأوقع بأهل الواحات وقتل منهم وأسر، وذلك في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
وفي أيّامه جفّ النيل عن برّ مصر، حتى استقى الناس من بحر الجيزة. وحفر خليج إلى أن دخل [٢٣٤ أ] الماء إلى ساحل مصر.
ووقع غلاء في المحرّم سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.