للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكرك. فلم يزل على نيابتها إلى أن قبض السلطان على الأمير بكتمر الجوكندار نائب السلطنة وبعثه ليسجن بالكرك. [ف] خاف من أيتمش أن يتّفق معه. فإنّه كان خوشداشه ومؤاخيا له. فصرفه عن نيابة الكرك بالأمير بغا الأشرفيّ، وأحضره إلى مصر في أثناء سنة إحدى عشرة وخلع عليه وصار من أكابر أمراء مصر. فلمّا توجّه السلطان إلى دمشق في سنة اثنتي عشرة وحجّ منها، استخلفه بقلعة الجبل. فسار في مدّة غيبة السلطان سيرة جميلة [و] هابه الناس مهابة زائدة، ومنع الأكابر من النخوة إلى أن قدم السلطان.

ثم أخرجه على عسكر إلى الحجاز في سنة ثماني عشرة، وكانت له حروب مع الشريف حميضة بن أبي نمي أمير مكّة والشريف ودّي أمير المدينة قد ذكرت في ترجمتي حميضة ومنصور بن جماز (١).

ثم أخرجه في آخر المحرّم سنة تسع عشرة إلى برقة، ومعه من الأمراء بلبان الخاصّ تركيّ وبلبان الحسنيّ وسنقر المرزوقي وصمغار بن سنقر الأشقر ومنكلي الجمدار وغرلوا الجكندار ونوغاي، وثلاثمائة فارس من أجناد الحلقة.

وسبب ذلك أنّ قائدا وسليمان، من أمراء عرب برقة، وصفا للسلطان فرسين عند جعفر بن عمر وبالغا في مدحهما فكتب يطلبهما منه، فأنكرهما.

فأخذ قائد وسليمان يوحشان ما بينه وبين السلطان ويتّهمانه بالعصيان والامتناع من إعطاء زكاة غنمه، وأنّه كثير [٢٤٨ أ] الغارات على عربان الطاعة، ونحو هذا القول، إلى أن جرّد أيتمش على من تقدّم ذكره. وأخرج معه قايدا وسليمان، وكتب لعربان برقة بالركوب معه.

فسار إلى الإسكندريّة، وتوجّه منها بعد ما أحضر إليه سرّا من يخبر الطريق ليسير به على غير الجادّة حتى يطرق العرب بغتة. وكانت الجادّة مسافتها إليهم نحو الشهرين. فدلّه على طريق توصله في ثلاثة عشر يوما، بعد ما شرط عليه أن يأخذ منه مائة دينار ويخلص له بعد عوده من السلطان إقطاعا ليقيم بالبحيرة فدفع إليه المائة الدينار والتزم بالإقطاع، وأخذ يسير بالعسكر.

فأنكر قائد وسليمان سلوك العسكر في غير الجادّة وأرادوا [من] الأمير أيتمش أن يرجع عن طريقه التي هو فيها [٢٣٢ أ] ويسلك الجادّة، وخوّفوا عاقبتها. فلم يرجع إليها ومضى والعساكر تتبعه حتى أشرف على منازل جعفر بن عمر بعد ثلاثة عشر يوما، وهم في غفلة لا علم لهم بالعسكر، فبهتوا عند رؤية الخيل. ووقف أيتمش وبعث إليهم يدعوهم إلى الطاعة. فبعث جعفر إليه بأنّا في طاعة السلطان، ونريد أن نعرف ما الذي أوجب مسيركم إلينا؟

فأعادهم بأنّ معي مرسوم السلطان، فليحضر جعفر ليسمع ما فيه.

فواعدوه الغد، فبات أيتمش ليلته على ظهر فرسه هو ومن معه حتى أصبح. وأتاه أخو جعفر وأكابر قومه. فأبى إلّا حضور جعفر. فامتنع من الحضور وقال: أبعث بالفرسين وغيرهما للسلطان، وكان قايد وسليمان قد عرّفاه أنّ الغرض إرسال الفرسين وتكفّلا له برجوع العسكر ووافقاه أن يكونا معه يدا واحدة.

فبعث يستنجد العربان فأتته طوائف طوائف، فراب أيتمش توارد العرب شيئا بعد شيء. فبادر إلى لبس السلاح وألبس أصحابه ومنع العرب أن تركب معه، واختار من الأجناد مائة وخمسين راميا قدّمهم أمامه ووصّاهم أن لا يسوقوا ولا


(١) ترجمة حميضة رقم ١٣١١ ج ٣، أما ترجمة منصور فمفقودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>