للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يسرعوا في السير حتى تحمل العرب برمّتها عليهم، فحينئذ يكون الرمي عليهم من غير أن يحملوا على العرب، بل يستقرّ كلّ واحد من العسكر في موضعه. وركب ساقة العسكر وأفرد العرب ناحية وحرّك الطبول، فحملت عرب جعفر على العسكر حملة واحدة برماح فيها ما يبلغ طوله ثمانية أذرع وسنانه قدر الذراع ونصف، فرشقهم العسكر بالنشّاب، وأصيب غرلوا (١) [٢٤٨ ب] وسقط عن فرسه فتلاحقوا به وأركبوه. فلم تثبت العرب للسهام ورجعت. ثم حملت حملة ثانية ثم أخرى حتى تمّ لهم سبع حملات، وهم ينهزمون فيها. ووصل العسكر إلى بيوتهم فإذا هي في جزيرة كلّها غابة أشجار، فقاتلوا عند البيوت قتالا عظيما حتى انهزموا إلى الجزيرة. فمنع أيتمش العسكر من اقتحامها عليهم وحمى حريمهم من النّهب ونادى: من تعرّض لنهب بيت شعراء ودخل إليه قتل- ونادى بنهب الأغنام والجمال خاصّة، فاشتغل العسكر بها وظفروا منها بما لا يدخل تحت حصر، فكان الواحد يسوق المائة وفوقها ويترك أضعاف ما أخذ.

واقتحم بعض الغلمان بيوت العرب فصاحت النسوان، فأخرج أيتمش الغلمان وقطع أيدي عدّة منهم وسقّ أنوف جماعة وقطع أعصاب طائفة، فلم يجسر أحد بعدها [أن] يدنو من الحريم. وبات العسكر على غاية التيقّظ والاحتراس.

فلمّا أصبح سار عائدا ومعه ستّمائة من الأسرى بعد ما قتل عددا كثيرا في الحرب. فعرضهم وعفا عنهم. وافتقد عسكره فوجد فيهم اثني عشر قد جرحوا وقتل منهم فارس واحد. وحاز العسكر مالا عظيما حتى أبيع الجمل من عشرين إلى ثلاثين درهما والرأس الغنم بدرهم، ولم يبق للصوف

والسمن قيمة من كثرته.

واستمرّ ستّة أيام بالسلاح، وبعث بالبشارة إلى السلطان، فبعث للقائه الأمير الجاي الساقي فأخذ خمس ما مع العسكر من المال للسلطان، وفرّق ما بقي في العسكر فجاء نصيب الواحد ما بين أربعة جمال إلى خمسة، وما بين عشرين رأسا من الغنم إلى ثلاثين. وعاد أيتمش بمن معه إلى القاهرة فشكره السلطان وخلع عليه.

ثم بعثه إلى القان أبي سعيد بن خربندا في سنة اثنتين وعشرين، وعلى يده هدايا جليلة ليعقد الصلح بينه وبين أبي سعيد. وأنعم عليه بألفي دينار، فسار بتجمّل لم يسر بمثله أحد ممّن توجّه في الرسالة إلى الشرق من مصر، فما ترك أحدا من مماليكه حتى عمل له الكلفتاه زركش والقبا بطراز ذهب [٢٣٢ ب] وشبه ذلك من الخيل والعدد فإنّه كان كبير الهمّة عارفا كريما.

فلمّا قدم ماردين تلقّاه صاحبها وأكرمه وبعث إليه التقادم، فلم يقبل منه إلّا يسيرا، وحمل إليه الهديّة السلطانيّة ومعها تقدمة (٢) من جهته. فأركبهعند فراقه فرسا وقاد معه بغلا وهجينا (٣). فلم يبعد عن [٢٤٩ أ] ماردين غير قليل حتى تلقّاه بعض أمراء أبي سعيد بالإقامات إلى أن قدم توريز. [ف] ركب الوزير خواجا علي شاه ومعه المجد محمد السلاميّ (٤) إلى لقائه، فأكرمه وجهّزه إلى الأردو.

فأجلّ القان أبو سعيد قدره وناوله الهنّاب (٥)


(١) شجاع الدين غرلوا الجوكندار. السلوك ١/ ١٩٢.
(٢) التقادم: الهدايا.
(٣) الهجين: مركوب من الإبل.
(٤) مرّت ترجمة المجد [إسماعيل بن] محمد السلامي ص ١٨١ رقم ٧٨١ (ت ٧٤٣) وهو من أكابر تجّار الخاصّ أي الرقيق الأتراك.
(٥) الهنّاب: القدح من الشراب، ولعلّ الكلمة انتقلت إلى اللغات الغربية فيقال في الفرنسيّة مثلا) Hanap وانظر دوزي في المادّة).

<<  <  ج: ص:  >  >>