للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ب] المشروب من يده ليشرب، وهذه أعظم كرامة عندهم. فامتنع من شرب الخمر، واعتذر بأنّه حجّ فأعفاه. وبلّغ رسالة السلطان ودفع إليه كتابه.

فأنزله ورتّب له في كلّ يوم ستّين رأسا من الغنم.

وأعجب به أهل الأردو وبمن معه لحسن زيّهم، وحلّ عندهم محلّا رفيعا، فإنّ [هـ] كان من خالص جنس المغل عارفا بلغتهم منزلته من الترك منزلة النحويّ بين العامّة، ويكتب كتابة فائقة الحسن، فلم يبق أحد فيهم من الأمراء إلّا وأضافه، فما أضافه منهم أحد إلّا وقدّم له تقدمة تليق به. وفرّق راتبه في فقرائهم، وتقدّم إلى جميع من معه أن يعفّوا عن الفواحش. فتيسّر على يده ما أراده السلطان من الصلح، وصعد الخطيب في يوم الجمعة منبر توريز ودعا للسلطان الملك الناصر بعد القان وحثّ على الصلح ورغّب المغل في الإسلام وعرّفهم أنّ المملكتين صارتا مملكة واحدة.

فلمّا تهيّأ سفره حلف أبو سعيد والأمير جوبان والوزير علي شاه على ما تقرّر وكتبت نسخة اليمين، وغمره بالإنعام وسفّره. فقدم إلى مصر وأحضر إلى السلطان ما حصل له وهو نحو المائتي ألف درهم سوى القماش. وقدّم من عنده لؤلؤا اشتراه بأربعين ألف درهم قوّم بمائة ألف، فأنعم السلطان عليه بذلك كلّه. فأقسم بالأيمان الحرجة أنّه لا بدّ من قبول السلطان لذلك جميعه. فحمل إلى الخزانة. وأنعم عليه بمائة ألف درهم، وقدّم له كريم الدين الكبير عشرين ألف درهم.

فقدم عقيب ذلك رسول أبي سعيد لتحليف السلطان في رابع عشر جمادى الآخرة منها، فحلف له. ثمّ سار في سابع جمادى الأولى سنة ستّ وعشرين في الرسالة لأبي سعيد وعلى يده هدايا جليلة، وقدم يوم الثلاثاء ثامن عشرين شعبان وقد قضى المهمّات السلطانيّة فأكرمه السلطان ورفع محلّه.

وتوجّه أيضا وعاد يوم الأحد رابع عشرين المحرّم سنة تسع وعشرين، وتوجّه إلى مكة على عسكر للنصف من صفر سنة إحدى وثلاثين لمحاربة الشريف رميثة بن أبي نمي، فقدم مكّة وقد خرج منها رميثة وجمع عربانه [٢٤٩ ب] يريد الحرب، فتلطّف به أيتمش، وبعث إليه عشرة أحمال ما بين دقيق وبشماط (١) وشعير، وخمسة آلاف درهم، حتى قدم إليه طائعا ولبس تشريف السلطان واستقرّ في إمارة مكّة. وقصد أن يقدّم لأيتمش ومن معه من العسكر تقادم فلم يمكّنه أيتمش من ذلك. وعاد بمن معه فقدم القاهرة في سابع جمادى الآخرة، وقد كانت مدّة غيبته أربعة أشهر تنقص ثمانية أيّام.

ثم خرج لنيابة صفد عوضا عن الأمير [٢٣٣ أ] أرقطاي في [ ... ] سنة ستّ وثلاثين، وكان قد اعتراه مرض الفالج مدّة سنة وصار إذا دخل الخدمة السلطانيّة يتوكّأ على عصا ليتوفّر عليه حضور الخدمة. ونقل أرقطاي إلى مصر على إقطاع أيتمش وتقدمته. وأحسن أيتمش السيرة في أهل صفد، فلم تطل بها أيّامه ومات في السنة المذكورة (٢) [ ... ] فولي بعده نيابة صفد الأمير طشتمر حمّص أخضر.

وكان أيتمش ططريّ (٣) الجنس عارفا بلسان المغل جيّد الخطّ به. وذلك هو سبب سعادته: فإنّ العادل كتبغا لمّا عرض المماليك أعجب بكلامه وجودة خطّه بالمغليّ فزاد في جامكيّته (٤)، واتّفق


(١) البشماط: كعك غير محشوّ.
(٢) السلوك ٢/ ٤٠٥: في ١٣ ذي القعدة.
(٣) هكذا بطاءين.
(٤) الجامكيّة: الراتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>