للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهم بكتمر هذا في جماعة، وأثبت عند القضاة أنّ سائر مماليك سلّار وبيبرس اشتروا من بيت المال.

فلمّا ثبت ذلك أعتق بكتمر فيمن أعتق، وجعله ساقيا.

وكان غريبا في بيت السلطان ليس له خشداشيّة، فكان هو وحده، وسائر الخاصّكيّة حزبا عليه.

وعظمت مكانته عند السلطان وزادت محبّته له، وأكثر من الإنعام عليه، وبالغ في تقريبه ورفعة قدره. وقدمت عليه أمّه في سنة ستّ عشرة [وسبعمائة]، فبالغ السلطان في إكرامها والإنعام إليها، وكتب إلى الأمير جوبان وخواجا علي شاه وحكّام دولة بو سعيد ملك العراقين بتجهيز بقيّة أهل بكتمر، وكتب أسماءهم وأماكنهم.

وأقبل السلطان بكلّيته عليه، وشغله حبّه له عن غيره من الخاصّكيّة حتى إنّه وعك جسمه مرّة فمرّضه بنفسه، وصار لا يفارقه ساعة واحدة، ويسقيه الشراب ونحوه من الأدوية بيده، ويجلسه معه على الكرسيّ. وإذا قام للضرورة أمره أن يستمرّ جالسا فوق كرسيّ المملكة ولا ينزل عنه حتّى يعود.

ولمّا مات طغاي الكبير، وكان الأمير تنكز نائب الشام منتميا إليه، قال السلطان لتنكز: خلّ بكتمر يكون أخاك عوض طغاي واكتب إليه بما يريد.

ولمّا استحقّ ولده الختانة عمل له السلطان مهمّا عظيما، وختن معه عدّة من أولاد الأمراء في سنة ثنتي وعشرين، وأقامت الأفراح أربعة [٢٥٨ أ] أيّام. فبلغ ما رماه الأمراء في طشت ابن بكتمر الذي ختن فيه أربعة آلاف وأربعمائة دينار وعشرين دينارا، وما وقع في طشت ابن الأمير طشتمر حمّص أخضر ثلاثة آلاف دينار تنيف قليلا، وفي طشت [ابن] الأمير منكلي بغا الفخريّ نحو الألفين وثمانمائة دينار. وأخذ ذلك جميعه الذي ختنهم.

وفي ليلة الجمعة ثالث عشر ذي الحجّة سنة سبع وعشرين عقد الأمير أحمد بن بكتمر السّاقي على قطلو ملك ابنة الأمير تنكز نائب الشام، بإشارة السلطان، وعمل لها مهمّا مدّة سبعة أيّام ذبح فيه خمسة آلاف رأس من الضأن، ومائة بقرة، وخمسون فرسا. وناب المغاني عشرة آلاف دينار.

وخلع على جميع [٢٩٠ ب] أرباب الوظائف، وعلى نائب الشام، قام بذلك كلّه السلطان (١).

ثمّ توجّه في ركاب السلطان إلى الحجاز في خامس عشر من شوّال سنة اثنتين وثلاثين. فبلغ السلطان عنه أثناء طريقه أنّه قد وافق جماعة من المماليك السلطانيّة على قتله وأخذه الملك لنفسه. فهمّ بالعود إلى مصر وقد تزايد قلقه. ثمّ مضى وهو في غاية القلق حتى نزل خليص (٢) [ف] فرّ نحو ثلاثين مملوكا إلى جهة العراق، فكثر توهّمه من بكتمر وأخذ يداهنه ويلطف بملازمته حتى لم يجد بكتمر فراغا من السلطان أن يجتمع بأهله: فإنّه كان إذا ركب أخذه بجانبه في مدّة سيره، فإذا نزل جلس معه ولا يدعه لحظة واحدة، حتى إنّ الأمير جنكلي ابن البابا بعث بابنه ناصر الدين محمد إلى الأمير بكتمر في حاجة عنّت له، فأقام نحو عشرة أيام يتردّد إلى مخيّمه وهو لا يجده، ثمّ آخر أمره أنّه وحده وقد خرج من عند السلطان فسلّم عليه وأخذ يحادثه، فقال له: دعني حتى أقضي شغلا، وأسمع حديثك- ثمّ دخل الخلاء في خيمة وخرج ليجلس، وإذا بجمدار


(١) يبدو أنّ عقد ابن بكتمر وافق بناء قوصون ببنت السلطان، والحفل واحد؛ السلوك ٢/ ٢٨٩.
(٢) خليص: بين مكّة والمدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>