للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العسكر، وغدا يعمل بكرة النهار سماطا يليق، ويقرأ مرسوم السلطان. وتركه وعاد بمن معه إلى الخيام.

فلمّا أصبحوا وقد تهيّأ السماط، ونصب للمجاهد كرسيّ عال وأجلسوه عليه، والسماط بين يديه، ودار السقاة، ووقف النقباء والحجّاب والجاشنكيريّة على عادة أسمطة السلطان بمصر، ووقف الأمير بيبرس رأس الميمنة والأمير طينال رأس الميسرة حتى انتهى فراغ السماط، صاح الجاويش على أمراء المجاهد وأهل دولته ليحضروا. فجاءوا وأخذوا مجالسهم. فقرئ عليهم كتاب السلطان يتضمّن دخولهم في طاعة المجاهد. فقبّلوا الأرض وأجابوا بالسمع والطاعة وتباشروا بذلك. ثمّ عرض المجاهد خلعه على الأمراء فأنفوا من لبسها استقلالا لها.

وكتبوا إلى بهادر الصقريّ وغيره أن يحضروا.

فحضر الصقريّ بعد ما حلف له الأميران بيبرس وطينال أن لا يمكّنا أحدا من أذاه. فتلقّياه وأكرماه.

وقلّت العلوفات عند العسكر وطلبوا من المجاهد ما يعلف للدوابّ فلم يبعث شيئا. وعنّفه الأمراء بسبب ذلك وقالوا له: أين ما وعدت به السلطان من أنّك تقوم [٢٦٨ ب] بكلفة العسكر منذ يدخل إلى بلادك حتى يرجع؟ .

فلم يهتزّ لتعنيفهم واعتذر بخراب البلاد، وكتب إلى الضياع بحمل الغنم والذرة. وسار إلى تعز في أمرائه، ومعه من أمراء مصر الكوندكيّ [٢٧١ ب] والإسماعيليّ، وأقام العسكر على زبيد.

فعادت جمالهم وقصّادهم من الضياع بالخيبة ولم يقابلهم أحد، فامتدّت عند ذلك أيديهم بأخذ ما قدرت عليه. ورحلوا إلى تعز في نصف رجب فتلقّاهم المجاهد بأمرائه، وقد جمع خلقا كثيرا، فكان لهم يوم مشهود. وشكوا إليه ما بهم من الجهد لقلّة علف الدوابّ فوعدهم ومنّاهم، ثمّ حمل أهل البلاد إليهم شيئا يسيرا.

وسيّر الأمراء الشريف عطيفة أمير مكّة والكوندكيّ مع رسل المجاهد إلى ابن أخيه [الملك الظاهر المقيم] (١) بدملوة يدعو [ن] هـ إلى الطاعة. وأقام العسكر في جهد من قلّة الجالب وارتفاع سعر الذرة، والمجاهد يسوّف بينهم، حتى تبيّن أنّ أمراءه خيّلوه من العسكر وانتزاعه من الملك، وحسّنوا له العمل على إتلافهم. فأوّل ما ظهر من ذلك قطع ماء ينزل من جبل صبر كانت الدوابّ ترده. ثمّ تخطّفوا الغلمان. فركب العسكر على أهل الجبل وقد أخذوا عدّة من جمال الأمراء ولبسوا السلاح، فامتنع أهل الجبل وأعلاه (٢) ورموا الحجارة بالمقاليع على العسكر فأصابوا الأميرين بيبرس وآقول، وقتل من الأجناد أربعة، ومن الغلمان ثمانية. وبات العسكر تحت الجبل.

فلمّا أصبحوا بلغهم أنّ المجاهد قد عزم على الغدر بهم واستفسد نحو ثلاثمائة مملوك ليقيموا عنده، وأنّ الصقريّ عوّل على الهروب. فبادر بيبرس وقبض على الصقريّ وعلى الغياث وأحاط على موجودهما وتمكّن المجاهد منه ففرّق على العسكر من موجوده عشرين فرسا عوضا عمّا مات من خيولهم. ثمّ أخرج بيبرس بهادر الصقري ووسّطه نصفين بالسيف حسب ما رسم له به في التذكرة. فسرّ أهل تعز بقتله سرورا عظيما. وقيّد الغياث ووكّل به ثم وسّط بعد ذلك أيضا.

ثمّ حضر الشريف عطيفة والكوندكيّ بأنّ صاحب دملوة أجاب بالسمع والطاعة. فتقاضى الأمراء المجاهد إنجاز ما وعد به السلطان من


(١) الزيادة من السلوك ٢/ ٢٦٧.
(٢) هكذا، ولعلّ الكلام ناقص.

<<  <  ج: ص:  >  >>