للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدولة من القلعة وسلّمها إلى الأمير مكين الدولة أبي عليّ الحسن بن علي بن ملهم بن دينار العقيليّ نائب المستنصر، وسار من حلب إلى مصر. فلمّا بلغ رفح سمع بالقبض على اليازوريّ فقال: والله إنّي أموت بحسرة ونظرة إلى من استلبني من ذلك الملك وأخرجني بلا رغبة ولا رهبة إلّا بحسن السياسة. ولو رام ذلك منّي قسرا ربّما تعذّر عليه (١).

وسار حتى قدم على المستنصر بالقاهرة في المحرّم سنة خمسين وأربعمائة، فعوّضه عن حلب مدينة عكّا وبيروت وجبيل. فاتّفق في مدّة إقامته بمصر قتل البساسيريّ. فسار أسد الدولة أبو ذؤابة عطيّة بن صالح بن مرداس إلى الرحبة وأخذ جميع ما تركه البساسيريّ بها من السلاح الذي لم ير مثله كثرة وجودة. فطمع بنو كلاب في حلب وقدّموا عليهم محمود بن نصر بن صالح بن مرداس.

فسار إليها في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وتسلّمها. فانحاز مكين الدولة بن ملهم إلى القلعة وأنفذ إلى المستنصر يطلب النجدة. فوصل إليه ناصر الدولة أبو علي الحسين، ابن ناصر الدولة الحسن بن الحسين بن حمدان، وكانت وقعة الفنيدق، وهو المعروف بتلّ السلطان، وأسر ابن حمدان، وعاد محمود بن نصر إلى حلب.

فلمّا بلغ ذلك المستنصر صرف معزّ الدولة عن عكّا وبيروت وجبيل، وقال له: إنّ هذه أخذتها عوضا عن حلب. وقد [٣٥٠ أ] عادت إلى ابن أخيك. فامض إلى حلب واستعدها منه.

فعاد إلى أن وصل إلى معرّة النعمان. فسيّر محمود أبا محمد عبد الله بن محمد الخفاجيّ رسولا إلى ملك الروم يستنجد به على عمّه معزّ

الدولة. ثم صالح محمود عمّه وسلّم إليه حلب يوم الاثنين أوّل شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين.

فلم يزل بها حتى مات فيها يوم الخميس لستّ بقين من ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة.

فدفن في مقام إبراهيم الفوقانيّ بقلعة حلب، وبقي إلى أيّام الملك رضوان فقلع وبلط عليه.

وكان معزّ الدولة كريما حليما. حكي أنّ العرب اقترحوا عليه مضيرة، فتقدّم إلى وكيله أن يطبخها لهم، وسأله: كم ذبحت لأجلها؟ .

فقال: سبعمائة وخمسين رأسا.

ويحكى عن حلمه أنّ فرّاشا صبّ يوما على يده ماء بإبريق كان في يده، فصادفت أنبوبة الإبريق بعض ثنيّة معزّ الدولة فكسرتها وسقطت في الطشت، وهمّ به الغلمان فمنعهم، وأمر برفعها وعفا عنه. فقال ابن أبي حصينة فيه من أبيات [الوافر]:

حليم عن جرائمنا إليه ... وحتى عن ثنيّته انقلاعا

وقدم عليه الوزير فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير فاستوزره وفوّض أموره إليه جميعها. فحسد على مكانه وقرّبه منه، وسعي به إليه. وكان معزّ الدولة له وفاء وذمّة فنبّهه على ما سعي به إليه، فاستأذنه أبو نصر في المفارقة فأذن له، وسار من حلب، وذلك في سنة ستّ وأربعين وأربعمائة.

ولمّا مات معزّ الدولة ولي بعده حلب أسد الدولة أبو ذؤابة عطيّة بن صالح بن مرداس.


(١) في الاتّعاظ ٢/ ٢٦٠: فليس يتعذّر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>