للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهم في البحر خلق كثير. وكان في طريقهم خرق عميق في الأرض فحال بينهم وبين رؤيته الغبار، فتواقعوا فيه وقت الهزيمة وسقط الخيل والرجال وصار بعضهم على بعض فهلك فيه من الروم خلق لا يحصيهم إلّا الله فماتوا كلّهم، وأسر منهم بعد هذا كلّه ألفا أسير فيهم مائة بطريق. وأخذ من أموالهم وسلاحهم وكراعهم ما يقصر عنه الوصف (١). ونزل من قلعة رمطة نحو ألف علج خوفا وجزعا.

وأقام الحسن بن عمّار محاصرا لها، ووجّه بالقائد والبطارقة والرءوس وكتاب الفتح إلى مدينة صقليّة، فخرج إليهم الحسن بن عليّ بالعدّة والعساكر فتلقّاهم فرأى ما سرّه وفرح بذلك فرحا شديدا، ثمّ انصرف فاعتلّ من إفراط الفرح بحمّى حادّة ومات بعد ذلك بسبعة أيّام لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة [سنة ٣٥٢] (٢). وفتح الله قلعة رمطة على يد الحسن بن عمّار لثلاث بقين منه، فقتل جميع من كان بها من الرجال وسبى النساء، واستولى على جميع ما فيها من نعمة ومتاع وغير ذلك.

ثمّ قدم من صقليّة على المعزّ في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة بالمهديّة، فخرج معه لحرب أبي خزر يعلى الزناتيّ الثائر (٣).

ثمّ عاد، فبعثه في يوم الثلاثاء لتسع خلون من شوّال سنة تسع وخمسين [وثلاثمائة] على

الأسطول إلى مصر، فانتهى إلى طرابلس، وأقلع منها يوم الخميس لثمان بقين من شوّال سنة ستّين وثلاثمائة. ثمّ قدم إلى القاهرة يوم الاثنين رابع ربيع الأوّل سنة إحدى وستّين، ثمّ لمّا قدم الأسطول في ذي القعدة من المغرب خرج عليه ابن عمّار في ذي الحجّة وسار إلى تنيس ولقي أسطول القرامطة، فأخذ منه سبع قطع وأسر خمسمائة رجل.

ثمّ سار في رجب سنة اثنتين وستّين إلى الحوف (٤) على عشرة آلاف، فواقع القرامطة.

وما زال بالقاهرة بقيّة أيّام المعزّ وأيّام العزيز.

ولمّا احتضر العزيز بالله بمدينة بلبيس استدعى القاضي محمّد بن النعمان والحسن بن عمّار هذا وأوصاهما بولده أبي عليّ المنصور ومات. فأقيم في الخلافة بعده أبو عليّ ولقّب بالحاكم وسار إلى القاهرة وسنه إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر.

فأنفق في المغاربة وكتامة وشرطوا أن لا ينظر في أمورهم إلّا ابن عمّار. وذلك أنّه أعطى لكلّ واحد من شيوخ كتامة لمّا أنفق فيهم من خمسة آلاف دينار إلى ما دونها، وأعطى شبابهم على أقدارهم.

وكان العزيز قد غضب عليهم لخذلانهم القائد جوهر في نوبة هفتكين وعرف الوزير يعقوب بن كلّس ذلك فاطّرحهم حتى ضاعوا وساءت حالاتهم وتفرّق كثير منهم في الصناعات. فتنبّه ابن عمّار [إلى] حالهم (٥). فاجتمع شيوخ كتامة عند المصلّى خارج القاهرة، وقد خالفوا على الحاكم.

فخرج إليهم ابن [٣٧٣ أ] عمّار وما زال بهم حتّى أحضرهم إلى القصر وقرّر لهم ما أرضاهم به وأنفق فيهم، وحلف للحاكم ثمّ حلّفهم وحلف عليه


(١) عرفت الوقعة باسم «وقعة الحفرة» (النويري: نهاية الأرب ٢٤/ ٣٦١)، وعنده أنّ الوقعة دارت في سنة ثلاث وخمسين، وفي أعمال الأعلام ٤٧٧: سنة ٣٥٢.
(٢) تتضارب التواريخ هنا، فالراجح أنّ الحسن بن علي توفّي سنة ٣٥٤ (انظر ترجمة ماريوس كانار لسيرة جوذر، هامش ١٨٤).
(٣) خروج المعزّ إلى باغاية مفصّل في عيون الأخبار ٧٠٥.
(٤) أي الحوف الشرقي، في جهة الفرما وتنيس شرقي أسفل الأرض (اتّعاظ ١/ ١٦٧، هامش ١).
(٥) قراءة ظنّيّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>