للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجّهوا إليه مركبا فيه تمّام بن علقمة وجماعة.

فوصلوا إليه وأبلغوه طاعتهم له، وأخذوه إلى الأندلس، فأرسى بالمنكّب (١) في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وثلاثين ومائة. فأتاه جمع من رؤسائهم من أهل إشبيلية. وكانت نفوس اليمن حنقة على الصميل بن حاتم الكلابيّ ويوسف الفهريّ، فأتوه أيضا وبايعوه.

فسار وجمعه يكثر حتى نزل إشبيليّة. ثم نهد إلى قرطبة، وكان يوسف غائبا بنواحي طليطلة.

فأتاه الخبر وهو عائد إلى قرطبة، وكان قد بلغه خبر عبد الرحمن فلم يعبأ به ولم يكترث. فلمّا قرب عبد الرحمن منه تراسلا في الصلح، فخادعه يومين أحدهما يوم عرفة. فاطمأنّ أصحاب يوسف، ثقة منهم بأنّ الصلح قد انبرم. وأقبل يوسف يهيّئ الطّعام ليأكله الناس على سماطه يوم الأضحى، وعبد الرحمن يرتّب خيله ورجله.

وعبر النّهر ليلا في أصحابه، فنشب القتال ليلة الأضحى وصبر الفريقان إلى أن ارتفع النّهار، وقد ركب عبد الرحمن بغلا يري الناس أنّه يثبت ولا يفرّ. فسكنت قلوب أصحابه واشتدّ قتالهم فانهزم يوسف، وبقي الصميل فقاتل في عصبة من عشيرته ثم انهزموا [٥٤ أ]. فمضى يوسف إلى ماردة. وأتى عبد الرحمن قرطبة فدخلها من يوم الجمعة عاشر ذي الحجّة يوم النحر سنة ثمان- وقيل تسع- وثلاثين ومائة، والناس في المصلّى يصلّون العيد.

وأخرج حشم يوسف وأهله من القصر ودخله بعد ذلك.

وشبّهت واقعة عبد الرحمن بيوم مرج راهط (١*)، فإنّها كانت يوم عيد النّحر وكانت بين أمويّ وفهريّ، وكان على مقدّمة مروان حسّان بن بجدل الكلبي. وكذلك كانت هذه يوم الأضحى وهي بين أمويّ وفهريّ، وكان على مقدّمة عبد الرحمن حسّان بن مالك الكلبيّ. وكانت سنّ عبد الرحمن يومئذ تسعا وعشرين سنة.

ثم سار (عبد الرحمن) في طلب يوسف. فلمّا أحسّ به يوسف خالفه إلى قرطبة وأخذها وملك قصرها واحتوى على جميع أهله وماله، وأسر أبا عثمان جعدة صاحب الأرض، وهو يخلف عبد الرحمن على قرطبة، ولحق بمدينة إلبيرة وكان الصميل بمدينة شوذر (٢*). فلما بلغ عبد الرحمنالخبر رجع إلى قرطبة طمعا في لحاق يوسف.

فلمّا لم يجده سار إلى إلبيرة، وقد قدم الصميل إليها واجتمع بيوسف وصارا في جمع كثير. وآل الصلح على أن ينزل يوسف بأمان هو ومن معه وأن يسكن مع عبد الرحمن بقرطبة، ويرهنه يوسف ابنيه أبا الأسود محمد وعبد الرحمن.

فسار يوسف مع عبد الرحمن ونزل معه بقرطبة. فلمّا استقرّ أمر عبد الرحمن بنى القصر بقرطبة، وبنى المسجد الجامع، وأنفق فيه ثمانين ألف دينار، وبنى مساجد الجماعات، وأتاه جماعة من أهل بيته.

وكان يدعو لأبي جعفر المنصور مدّة عشرة أشهر ثمّ قطع اسمه من الخطبة.

فلمّا كانت سنة أربعين- وقيل إحدى وأربعين-


(١) في المخطوط: بالمركب، وكذلك في نهاية الأرب ٢٣/ ٣٢٦. وفي الكامل ٤/ ٣٦٢ والبيان ٢/ ٤٤ والنفح ١/ ٣٢: بالمنكب، بساحل المنكب. وفي معجم البلدان: المنكب: من أعمال إلبيرة، على أربعين ميلا من غرناطة. وفي تاريخ إسبانيا الإسلامية، ١/ ١٠١ و ٣/ ٨٤٤: المنيكر Al -Munecar بين مالقة والمرية.
(١*) وقعة «مرج راهط» بين الضحّاك بين قيس الفهريّ ومروان بن الحكم سنة ٦٥ هـ (انظر الكامل ٥/ ٣٢٨ تحت سنة ٦٤).
(٢*) شوذر: بين غرناطة وجيّان: (ياقوت، والكامل ٤/ ٣٦٣، ولم يذكرها النّويري).

<<  <  ج: ص:  >  >>