نكث يوسف الفهريّ عهد عبد الرحمن، وصار إلى ماردة فاجتمع عليه عشرون ألفا، وقصد محاربة عبد الرحمن. فسار إليه من قرطبة.
فمضى يوسف إلى إشبيليّة، وعليها عبد الملك بن عمر بن مروان، فحاربه وهزمه (١) وقتل كثيرا من أصحابه، وبقي يوسف متردّدا في البلاد حتى قتله بعض أصحابه في شهر رجب سنة اثنتين وأربعين بنواحي طليطلة وحمل رأسه إلى عبد الرحمن.
فنصبه بقرطبة، وقتل ابنه أبا زيد عبد الرحمن بن يوسف الذي كان رهينة عنده ونصب رأسه مع رأس أبيه. وبقي أبو الأسود بن يوسف عنده رهينة.
وقبض على الصميل وسجنه حتى مات في سجنه.
ثم خرج العلاء بن مغيث (اليحصبيّ) من إفريقيّة في سنة ستّ وأربعين إلى باجة، ولبس السواد ودعا لبني العبّاس. فسار إليه عبد الرحمن ولقيه بنواحي إشبيلية وحاربه أيّاما حتى هزمه وقتل سبعة آلاف من أصحابه في المعركة، ثم قتل العلاء. وأمر بعض التجّار بحمل رءوس جماعة من مشاهيرهم إلى القيروان وإلقائها في السوق سرّا، ففعل ذلك. ثم حمل منها إلى مكّة عدّة فوصلت، وقد حجّ أبو جعفر المنصور، وكان مع الرءوس لواء أسود وكتاب كتبه المنصور [٥٤ ب] للعلاء فأنكى بذلك المنصور.
وخرج أيضا سعيد اليحصبيّ المعروف بالمطريّ بمدينة لبلة غضبا للعلاء، فاجتمعت إليه اليمنيّة، وقصد إشبيلية وتغلّب عليها فكثر جمعه فبادره عبد الرحمن، وما زال يحاصره حتى قتل وقتل كثير ممّن كان معه، وعاد عبد الرحمن إلى قرطبة.
فخرج عليه عبد الله بن خراشة الأسدي بكورة جيّان، وأغار على قرطبة في جمع كثير. فندب
لقتاله جيشا فتفرّق جمعه، وطلب الأمان فأمّنه.
ثم خرج في سنة إحدى وخمسين بشرق الأندلس رجل من بربر مكناسة يقال له شقنا بن عبد الواحد، وادّعى أنّه من ولد عليّ بن أبي طالب، وتسمّى بعبد الله بن محمد ورفع نسبه إلى الحسين بن عليّ. فاجتمع عليه خلق كثير من البربر وعظم أمره. فخرج إليه عبد الرحمن، وكانت له معه أخبار وحروب إلى أن كانت سنة ستّ وخمسين، فخرج إليه لمحاربته فخرج أهل إشبيلية عن طاعته، فرجع وقد هاله ما سمع من اجتماعهم وكثرتهم. وقدم ابن عمّه عبد الملك بن عمر بن مروان بن الحكم فقاتل اليمانيّة وأهل إشبيلية، فلم تقم بعدها لليمانيّة قائمة. وعاد عبد الرحمن إلى قرطبة فقتل في سنة سبع وخمسين خلقا كثيرا ممّن كان من الخارجين عليه، ومال من حينئذ إلى اقتناء العبيد لما بلي به من غشّ العرب.
وثار عليه في سنة ستّين- وقيل إحدى وستين- عبد الرحمن بن حبيب الفهريّ المعروف بالصقلّيّ، وعبر إفريقيّة إلى الأندلس محاربا لهم ليدخلوا في طاعة الدولة العبّاسيّة، فلم يزل عبد الرحمن يدبّر عليه حتى اغتاله رجل من البربر فقتله وحمل رأسه إليه فأعطاه ألف دينار، وذلك سنة اثنتين وستّين.
ثم ثار أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفهريّ بالأندلس في سنة ثمان وستّين بعد ما فرّ من السجن بقرطبة إلى طليطلة، واجتمع عليه خلق كثير، وسار لحرب عبد الرحمن فلقيه واشتدّ القتال. ثم انهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف، وغرق في النهر كثير. ثمّ بقي يحارب عبد الرحمن إلى أن هلك سنة سبعين. فقام من بعده أخوه قاسم وجمع فقاتله عبد الرحمن حتى قتله بعد أن ظفر به.
(١) المهزوم هو يوسف الفهريّ. الكامل ٤/ ٣٦٤.