للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وشاركنا قريشا في تقاها ... وفي أنسابها شرك العنان

بما ولدت نساء بني هلال ... وما ولدت نساء بني أبان

يعني لبابة جدّتك، فإنّها هلاليّة- فأمر له بأربعة آلاف درهم، وكساه. ولم يزل يتعهّده ويصله (١).

وبلغ المنصور أنّ عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي بالبصرة، فخرج إلى البصرة، وأظهر أنّه يريد أن يقطع ابنه صالحا المسكين بانقيا ويقطع سليمان الهنيئة (٢). وكان عيسى مستخفيا عند رجل يقال له يزيد. فبينا المنصور يخطب في يوم جمعة [١٠٦ ب] إذ وقعت عينه على عيسى، وعرف عيسى أنّه قد عاينه. فلمّا دخل المنصور في الصلاة انسلّ عيسى ويزيد صاحبه. فاستعرض الناس بعد الفراغ من الصلاة فلم يوجدا. ثم إنّعيسى مات عند يزيد. فأتى يزيد الربيع فقال له:

«اطلب لي الأمان من أمير المؤمنين وأدخلني إليه حتى أخبره من أمر عيسى بما يسرّ به». فطلب له الربيع الأمان فأمّنه المنصور. فلمّا دخل عليه قال:

«يا أمير المؤمنين، قد مات عيسى بن زيد وأراحك الله منه». فخرّ المنصور ساجدا، ووجّه من نظر إليه ميتا فوفّى ليزيد بأمانه.

وحجّ المنصور فكان يأتي الطواف ليلا فيطوف

مستخفيا متنكرا لا يعلم أحد من هو، فإذا طلع الفجر عاد إلى دار الندوة، فإذا حضرت الصلاة خرج فصلّى بالناس. فسمع رجلا يقول في بعض الليالي: «اللهمّ إنّي أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحقّ وأهله من الطمع». فوقف على الرجل ثم خلا به وسأله عمّا قال. فقال له: أتؤمنني؟

قال: نعم، لك الأمان.

فقال: ما عنيت سواك.

فقال: كيف تنسبني إلى الطمع، والصفراء والبيضاء في قبضتي، والحلو والحامض بيدي؟

قال: وهل دخل أحدا من الطّمع ما دخلك؟

احتجبت عن الضعفاء فلم يصلوا إليك، ثمّ أوعيت الأموال وجمعتها فلم تقسمها في أهلها، ورآك القوم الذين استعنت بهم خائنا فخانوك، وأنت متغافل عن الأمور كأنّك لا تعلم، وعملك حجّة عليك. ثمّ أنت تطمع في السلامة في [١٠٧ أ] دينك ودنياك.

ووعظه فاحتمل له ذلك وقال: «جزيت عن النصيحة خيرا». وأقيمت الصلاة فصلّى المنصور بالناس فطلب الرجل فلم يوجد.

وسمع مرّة في داره جلبة فقال: «ما هذا؟ » فإذا خادم له قد جلس وغلمة حوله وهو يضرب لهم بطنبور، وهم يضحكون منه.

فأخبر بذلك فقال: «وما الطنبور؟ » فوصفه له حمّاد التركيّ، فقال له: وأنت فما يدريك ما الطنبور؟

قال: رأيته بخراسان.

فدعا بنعله وقام يمشي رويدا حتى أشرف على الغلمان فرآهم. فلمّا أبصروه تفرّقوا. فقال:

«خذوا الخادم فاكسروا ما معه على رأسه! » ثم


(١) حاشية في المخطوط: وكانت صفيّة بنت حزن عمّة أمّ الفضل- وهي لبابة الصغرى أمّ عبد الله بن عبّاس.
وصفيّة هي أمّ أبي سفيان بن حرب، وهي هلاليّة.
وكانت آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أمّ الأعياص، بني أميّة بن عبد الشمس.
وانظر الجمهرة، ٢٨٠. والنابغة الجعديّ هو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس ... بن عامر بن صعصعة (الجمهرة، ٢٨٩).
(٢) في المخطوط: بابقليا. وبانقيا: من نواحي الكوفة (ياقوت). أمّا الهنيئة فلم نعرفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>