للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المأمون فاستحسن ذلك، وأمر بالمزودين ففرّغا وملئا دنانير.

*** وقال أبو عبد الرحمن العتبيّ: جاءني رجل من أصحاب الصنعة فقال: اذكرني لأمير المؤمنين المأمون، فإنّي أحلّ الطلق (١) بين يديه في يوم وبعض آخر.

فقلت: يا هذا، أرح نفسك من العناء واجلس في بيتك ولا تغر أمير المؤمنين منك.

قال: فالحلّ عليه حرام- يعني به الطلاق- وما له من قليل أو كثير صدقة لوجه الله، وكلّ مملوك له حرّ إن كان كذبك فيما قال لك! (٢)

[قال: ] والله ما آخذ منكم شيئا عاجلا. وقد ادّعيت أمرا فامتحنوني فيه، فإن حاك ما ادّعيت كان الأمر فيّ إليكم. وإن وقع بخلاف ذلك انصرفت إلى منزلي.

فأخبرت المأمون بما قال، فتمثّل ببيت الفرزدق [الطويل]:

وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادا فلم تقدر عليّ حبائله

ثمّ قال: لعلّ هذا أراد أن يصل إلينا فاحتال بهذه الحيلة. وليس الرأي أن يظهر أحد علينا علما فنظهر الزهد فيه، فأحضره!

فجئت بالرجل وقعد له المأمون، وأحضرت له أداة العمل، فإذا هو بحلّ الطلق أجهل مني بما في السّماء السابعة. فنظر إليّ المأمون وقال: تزعم أنّه حلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك؟

قلت: بلى.

قال: فقد حنث.

فقلت للرجل، والمأمون يسمع: ألم تحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما تملك؟

قال: بلى.

قلت: فقد حنثت.

قال: ليست لي امرأة.

قلت: فالعتاق؟

قال: وما لي مملوك.

قلت: [١٣٥ ب] فصدقة ما تملك؟

قال: ما أملك خيطا ولا مخيطا.

قلت له: كذب يا أمير المؤمنين، له غلام ودابّة.

قال: هما، وحقّ رأس أمير المؤمنين، عارية!

فتبسّم المأمون وقال: «هذا بحلّ الدراهم أعلم منه بحلّ الطلق! » ثمّ أمر أن يعطى خمسة آلاف درهم. فلمّا خرج قال للفتى: «ردّه! » فردّه.

فقال: زيدوه، فإنّه لا يجد في كلّ وقت من يمخرق عليه.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، عندي باب من الحملان ليس في الدنيا مثله!

قال: احمله على هذه الدراهم، فإن كنت صادقا صرت ملكا في أقلّ من شهر.

ولمّا وصل المأمون إلى بغداد وقرّ بها قال ليحيى بن أكثم: وددت أنّي وجدت رجلا مثل الأصمعيّ ممّن عرف أخبار العرب وأيّامها وأشعارها فيصحبني كما صحب الأصمعي الرشيد.

فقال له يحيى: ههنا شيخ يعرف هذه الأخبار، يقال له عتّاب بن ورقاء من بني شيبان.

قال: فابعث ليأتيني.

فبعث، فحضر. فقال له يحيى: إنّ أمير المؤمنين يرغب في حضورك مجلسه ومحادثته.


(١) لم نفهم المقصود من حلّ الطلق، ولعلّه نوع من السحر.
(٢) التباس الضمائر يمنع فهم الحوار.

<<  <  ج: ص:  >  >>