للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال له المأمون: أحسنت يا فرخ عمّة فأيّهما أحبّ إليك: عشرة آلاف معجّلة أم مائة ألف مؤجّلة؟

قال: بل أؤخّرك يا أمير المؤمنين.

فما لبثت أن أقبلت الفرسان، فقال:

«احملوه! » فكان أحد مسامريه.

*** وخرج يوما من الرصافة يريد الشمّاسيّة فدنا منه الهاشميّون وسلّموا عليه وقبّلوا يده، وفيهم رجل من الطالبيّين يلقّب ب «كلب الجنّة» (١)، وكان ظريفا. فلمّا دنا من المأمون [و] قبّل يده، قال له المأمون كالمسرّ إليه: كيف أنت يا كلب الجنّة؟

قال: «أمّا الدنانير والدراهم والرتبة فلعمرو بن مسعدة وأبي عبّاد. وأمّا الطّنز (٢) فلبني هاشم».

فردّ المأمون كمّه على فيه وقال: ويلك! كفّ، لا تفضحني!

قال: لا والله، أو تضمن لي شيئا تعجّله لي!

قال: العشيّة يأتيك رسولي.

فأتاه عمرو بن مسعدة بثلاثين ألف درهم.

وفي رواية: ركب المأمون يوما إلى المطبق، وبلغ القوّاد ركوبه فتبعوه فكان كلب الجنّة ممّن ركب.

فبصر به المأمون، وفي يده خشبة من حطب الوقود، وفي اليد الأخرى لحافه، فقال: كلب الجنّة؟

قال: نعم، كلب الجنّة. بلغه ركوبك فجاء لنصرتك. والله ما وجدت سلاحا إلّا هذه المشققة من الحطب، ولا ترسا إلا لحافي هذا. وعيّاش بن

القاسم في ستّة آلاف ترس وألف درع نائم غير مكترث!

فوصله المأمون بثلاثين ألفا. وجاء عيّاش يركض فشتمه المأمون وناله بمكروه.

*** وقال عمرو بن سعيد: كنت في نوبتي في الحرس في أربعة آلاف إذ رأيت المأمون قد خرج، ومعه غلمان صغار وشموع. فعرفته ولم يعرفني.

فقال: من أنت؟

قلت: عمرو عمرك الله، ابن سعيد أسعدك الله، ابن سلم سلّمك الله.

فقال: أنت تكلؤنا منذ لليلة؟

قلت: الله يكلؤك يا أمير المؤمنين. هو [١٣٦ ب] خير حفظا وهو أرحم الراحمين.

فأنشأ (١*) يقول [الرجز]:

إنّ أخا الهيجاء من يسعى معك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك

ومن إذا ريب زمان صدعك ... بدّد شمل نفسه ليجمعك

ثم قال: يا غلام، أعطه أربعمائة دينار. (قال) فقبضتها.

(قال) وأنشدته أربعة أبيات فأمر لي بأربعمائة دينار، فلو أنشدته عشرة أبيات لكنت آخذ ألفا، لكلّ بيت [مائة].

وفي رواية: قال عمرو: كنت في حرس المأمون حين قفل من خراسان إلى العراق بعد قتل الأمين واستثبات الخلافة له. فخرج لينظر إلى العسكر في بعض الليالي، فعرفته ولم يعرفني، فأغفلته. فجاء من ورائي حتى وضع يده على كتفي فقال لي: من أنت؟


(١) في الهامش حاشية تعرّف بكلب الجنّة: هو عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وزاد في عمدة الطالب ٨٩ هو الشاعر الملقّب بكلب الجنّة. وانظر مختصر تاريخ دمشق ١٤/ ١١٥.
(٢) الطّنز: السخرية (والتعرّض لها).
(١*) في المخطوط: وأنشأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>