للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: عمرو عمرك الله، ابن سعيد أسعدك الله، ابن سلم سلّمك الله.

فقال: أنت الذي كنت تكلؤنا من هذه الليلة؟

فقلت: الله يلكؤك يا أمير المؤمنين.

فأنشأ يقول:

إنّ أخا هيجاك من يسعى معك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك

ومن إذا ريب زمان صدعك ... فرّق من جميعه ليجمعك

ثم قال: أعطه لكلّ بيت ألف دينار.

فوددت أن تكون الأبيات طالت عليّ فآخذ الغنى.

فقلت: يا أمير المؤمنين: وأزيدك بيتا من عندي؟

فقال لي: هات!

فقلت: وإن غدوت ظالما غدا معك.

فقال: أعطه لهذا البيت ألف دينار. فما برحت من موقفي حتى أخذت خمسة آلاف دينار (١).

*** ودخل المأمون يوما ديوان الخراج، فمرّ بغلام جميل على أذنه قلم فأعجبه ما رأى من حسنه، فقال: من أنت يا غلام؟

فقال: الناشئ في دولتك، وخرّيج أدبك يا أمير المؤمنين، المتقلّب في نعمتك، المؤمّل لخدمتك: الحسن بن رجاء.

فقال له المأمون: يا غلام، بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول.

ثم أمر له أن يرفع عن مرتبة الديوان، وأمر له بمائة ألف درهم.

*** وأنشد بعض الشعراء المأمون [الطويل]:

تمرّ بك الأموال غير مقيمة ... أبى الجود إلّا أن تكون على رجل

فمالك مجتاز، وجودك موطن ... ولا تثبت الأموال، والجود في رحل

فوصله صلة سنيّة.

*** ولمّا ولد ولد جعفر ابن المأمون دخل المهنّئون على المأمون فهنّئوه بصنوف التهاني، وفيهم العبّاس بن الأحنف، فمثل قائما بين يديه، وأنشد [الرجز]:

مدّ لك الله الحياة مدّا ... حتى يريك ابنك هذا جدّا

ثمّ يفدّى مثلما تفدّى ... كأنّه أنت إذا تبدّى

أشبه منك قامة وقدّا ... مؤزّرا مجدا له مردّى (١*)

[١٣٧ أ] فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم.

وكانت لهارون الرشيد جارية غلاميّة تصبّ عليه وتقف على رأسه. وكان المأمون يعجب بها وهو أمرد. فبينا هي تصبّ على الرشيد من إبريق على يده، والمأمون مع الرشيد قد قابل بوجهه وجه الجارية إذ أشار إليها بقبلة فزبرته بحاجبها، وأبطأت عن الصبّ في مهلة ما بين ذلك. فنظر إليها الرشيد فقال: ما هذا؟

فتلكّأت عليه. فقال: ضعي ما معك! عليّ كذا، إن لم تخبريني لأقتلنّك!

فقالت: أشار إليّ عبد الله بقبلة.

فالتفت إليه، وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه. فاعتنقه وقال: أتحبّها؟


(١) أربعة آلاف لأبيات المأمون وألف لبيت عمرو بن سعيد، وهي أشطار.
(١*) هذا الرجز المختلّ مفقود من ديوان العبّاس في طبعة عاتكة الخزرجي وكذلك في نشرة محمد طراد بيروت ١٩٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>