فأجازته:
إذا وجدنا محبّا قد أضرّ به ... داء الصبابة أوليناه إحسانا
*** وكان المأمون يهوى جارية من جواريه. فبعث إليها ليلة من الليالي خادما يأمرها بالمصير إليه.
فصار الخادم إليها فأمرها بذلك. فقالت: لا والله، لا أجيبه. فإن كانت الحاجة له، فليصر إليّ!
فلمّا استبطأ المأمون الخادم أنشأ يقول [الطويل]:
بعثتك مشتاقا ففزت بنظرة ... وأغفلتني حتى أسأت بك الظنّا
وناجيت من أهوى وكنت مقرّبا ... فيا ليت شعري عن دنوّك ما أغنى
وردّدت طرفا في محاسن وجهها ... ومتّعت باستمتاع نغمتها أذنا
أرى أثرا في صحن خدّك لم يكن ... لقد سرقت عيناك من حسنها حسنا (١)
فقال الخادم: لا يا سيّدي، إلّا أنّها قالت كذا.
فقال: إذن والله أقوم إليها!
*** ويذكر أنّ المأمون قال في بعض ندمائه وقد ثمل فناوله القدح بيده فقال له: «يدي لا تطاوعني» قال: قم فنم- وكان ينام عنده. فقال: رجلي لا تواتيني [فقال المأمون] [البسيط]:
أبصرته وظلام الليل منسدل ... وقد تمدّد سكرا في الرياحين
فقلت: خذ! قال: كفّي لا تطاوعني ... فقلت: قمّ! قال: رجلي لا تواتيني
إنّي غفلت عن الساقي فصيّرني ... كما تراني سليب العقل والدين
(وأنشدها بعضهم لعبد الله بن طاهر).
ومن شعره أيضا [المتقارب]:
لساني كتوم لأسراركم ... ودمعي نموم بسرّي مذيع
فلولا دموعي كتمت الهوى ... ولولا الهوى لم يكن لي دموع
وقال: [البسيط]:
مولاي ليس لعيش أنت حاضره ... قدر ولا قيمة ولا [له] ثمن
ولا فقدت من الدنيا ولذّتها ... شيئا إذا كان عندي وجهك الحسن
وقال: [الطويل]:
وقائلة لمّا استمرّت بنا النوى ... ومحجرها فيه دم ونجيع [١٣٨ أ]
ألم يقض للركب الذين تحمّلوا ... إلى بلد فيه الشجيّ رجوع
فقلت، ولم أملك سوابق عبرة ... نطقن بما ضمّت عليه ضلوع:
تبيّن: فكم دار تفرّق شملها ... وشمل شتيت عاد وهو جميع
كذاك الليالي صرفهنّ كما ترى ... لكلّ أناس جدبة وربيع
وكتب الرضى إلى المأمون [السريع]:
إنّك في دار لها مدّة ... يقبل فيها عمل العامل
أما ترى الموت محيطا بها ... يقطع منها أمل الآمل؟
(١) في الهامش، حواش لتصحيح الأبيات: عن سرارك (عوضا عن دنوّك). ونزّهت (عوضا عن وردت). أرى أثرا منها بوجهك في البيت الرابع.