وانعكف في زاوية في منارة الجامع الأمويّ، ممّا يلي باب الزيارة. وكان يكثر الجلوس بزاوية الشيخ نصر المقدسيّ بالجامع الأمويّ، فعرفت بالغزاليّة من ذلك الوقت.
وأقام بالشام نحوا من عشر سنين، ولبس الثياب وتقلّل في مطعمه ومشربه، واعتزل الناس وأخذ في تصنيف كتاب «إحياء علوم الدين» وغيره. وصار يطوف المشاهد ويزور الترب والمساجد، ويروّض نفسه بالمجاهدات، ويكلّفها مشاقّ العبادات، إلى أن لان له صعبها، وسهل له بعدضيق وجهاد.
وسار إلى مصر، وتوجّه منها إلى الإسكندريّة، وأقام بها مدّة، ثمّ رجع إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ، وتكلّم على لسان أهل الحقيقة بكلام أطرب الأنام، وأعجب الخاصّ والعامّ. وحدّث بكتاب الإحياء وغيره من مصنّفاته. ولم يكن عنده إسناد، ولا طلب شيئا من الحديث.
ثمّ عاد إلى خراسان، ودرّس بالمدرسة النظاميّة بنيسابور مدّة، وعاد إلى طوس، واتّخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفيّة، ووزّع أوقاته على وظائف، من ختم القرآن، ومجالسة أرباب القلوب، والتدريس لطلبة العلم، وإدامة الصيام والصلاة والعبادة.
واستدعى بأبي الفتيان عمر بن أبي الحسن الروساني (١) الدهستاني من بلده إلى طوس، وأكرمه وقرأ عليه صحيحي البخاري ومسلم.
وتوفّي في ظاهر الطابران قصبة طوس يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة.
ومولده بها سنة خمسين وأربعمائة.
وله [٤٤ ب] من المصنّفات، كتاب إحياء علوم الدين، وكتاب بداية الهداية، وكتاب المنقذ من الضلال، وكتاب كيمياء السعادة، بالفارسيّة، وكتاب البسيط في الفقه، وكتاب الوسيط في الفقه، وكتاب الوجيز في الفقه، وكتاب الخلاصة في الفقه.
وله في الخلافات، كتاب التحصيل، وكتاب المآخذ، وكتاب اللباب.
وله في أصول الفقه، كتاب المستصفى، وكتاب المنخول، وكتاب المنتخل في الجدل.
وله في علم الكلام: كتاب الاقتصاد في الاعتقاد، وكتاب المعيار، وكتاب محكّ النظر، وكتاب بيان القولين للشافعيّ، وكتاب المستظهريّ في الردّ على الباطنيّة، وكتاب تهافت الفلاسفة، وكتاب المقاصد في بيان اعتقاد الأوائل، وكتاب المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، وكتاب جواهر القرآن، وكتاب الغاية القصوى، وكتاب إلجام العوامّ في علم الكلام، وكتاب بيان فضائح الإباحيّة، وكتاب بيان غرر الدّرر.
ولأبي حفص عمر بن عبد العزيز بن عبيد بن يوسف الطرابلسيّ [ ... ] يمدحه [الرمل]:
هذّب المذهب حبر ... أحسن الله خلاصه
ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصة
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت السوسيّ المدعوّ بالمهديّ: أبو حامد الغزالي قرع الباب وفتح لنا.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي الجوينيّ:
الغزالي بحر مغرق، والكيّا أسد مخرق، والحرّاني نار محرق.
(١) في طبقات السبكي ٦/ ٢١٥: الروّاسيّ، وكذلك في أنساب السمعاني، وقد ترجم له بإسهاب (ت ٥٠٣).