قصّته وقرأها على السلطان، وكان قد بلغه الخبر، فلم يجبه، فأعاد العماد عرض القصّة وقراءتها مرّات في مجالس عدّة، والسلطان لا يأمر فيها ولا ينهى. ففطن العماد وعلم أنّ الخبر قد اتّصل بالسلطان فأعاد عرض القصّة. فلمّا لم يجبه عنها قال: يا مولانا، الطبق الذي أحضره صاحب هذه القصة باق إلى الآن لم أتصرّف فيه. فما كان ما ينقضي شغله أعدت عليه طبقه!
فضحك السلطان وعجب من دناءة نفسه وأمر بقضاء شغل الرجل. وكان شديد التهافت على أخذ الختوم الذهبيّة التي تجيء على كتب الفرنج، فوصل منهم كتاب بغير حضوره ففتحه السلطان بيده، وأخذ بعض الحاشية الختم، فلمّا جاء العماد قيل له: اكتب جواب هذا الكتاب!
فقال: يكتب جوابه من أخذ الختم!
فعزّ قوله على السلطان وقال: قم اخرج الوقت! ما هو محتاج إليك!
فأتى إلى الفاضل وعرّفه ما كان، فقال له: رح إلى الخانكاه واقعد بها مع الفقراء والبس زيّهم.
فإذا طلبك السلطان [١٠٢ أ] قل: «أنا دخلت في أسر لا أخرج منه». ثمّ لا تخرج حتّى يأتيك السلطان بنفسه مترضّيا.
ثمّ لم يلبث الفاضل حتى أتته رسل السلطان في طلبه، فلمّا أتاه شكا إليه العماد، وقال له: اكتب جواب هذا الكتاب.
فقال: والله ما أعرف ما أكتب فيه لأنّ العماد كان بصدد هذه الكتب فلا يعرفها سواه.
ولم يزل يتلطّف بالسلطان حتى قال: اطلبه.
- فبعث في طلبه فلم يحضر واعتذر. فعظّم الفاضل الأمر، وكرّر الرسل في طلبه وهو لا يحضر. فقال الفاضل: أنا أروح خلفه وأتلطّف به، فو الله هذا باب ما يسدّه سواه.
ثمّ ذهب فأطال المكث، وعاد إلى السلطان وقال: لقد حرصت به فلم يجب، ورأيته مقبلا على ما دخل فيه إقبالا ما أظنّه بقي يخرج عنه. وما ضرّ السلطان لو زار الفقراء وترضّى عبده؟ - ولم يزل به حتى أتاه وترضّاه.
ومن شعره [الطويل]:
وما هذه الأيّام إلّا صحائف ... نسطّر فيها ثمّ نمحى ونمحق
ولم أر في عمري كدائرة المنى ... توسّعها الآمال والعمر ضيّق
وقوله [الخفيف]:
هي كتبي فليس تصلح من بع ... دي لغير العطّار والإسكافي
هي إمّا مزاود للعقاقي ... ر وإمّا بطائن للخفاف
وكان ذا قدرة على النظم والنثر. وشعره ألطف من نثره لأنّه أكثر من الجناس فيه، وبالغ حتى صار كلامه كأنّه ضرب من الرقى والعزائم.
ومن محاسن نثره: فلمّا أراد الله الساعة التي جلّاها لوقتها، والآية التي لا أخت لها، فتقول:
هي أكبر من أختها، أفضت الليلة إلى فجرها، ووصلت الدنيا الحامل إلى تمام شهرها، وجاءت بواحدها الذي تضاف إليه الأعداد، ومالكها الذي له الأرض بساط، والسماء خيمة، والحبك أطناب، والجبال أوتاد، والشمس دينار والقطر دراهم، والأفلام خدم، والنجوم أولاد.
ومن كلامه الذي أكثر فيه الجناس قوله: ورد الكتاب الكريم الأشرف الذي كرّم وشرّف، وأسعد وأسعف، وأجنى العزّ وأقطف، وأوضح الجدّ وعرّف، وقوّى العزم وصرّف، وألهج بالحمد