للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واطلب بنفسك ما عفّت مكاسبه ... وصان نفسك من ذلّ وإدناس

ولا تغرّنّك الدنيا بزينتها ... فإنّها فتنة تتلى بوسواس

** وقال لأبي جعفر في دواة خشب كان يكتب منها ومصلّى: أما آن لهذه الدواة والمصلّى أن يبدلا (١)؟

فقال: ربّ مملول لا يستطاع فراقه.

فقال سيبويه: ومحبوب لا يستطاع لقاؤه.

فقال: هما سيّان.

وأخذ شخص عصاه التي يتوكّأ عليها وقلبها فانقلعت منها شظيّة، فقال: «يا أبا بكر، اعذرني! » - وكرّر قوله، فقال له: يا سيّدنا، كم هذا الاعتذار؟ ولو كسرت لي أضلاعا، وقطعت منّي باعا، لما وجب [١٥٨ ب] هذا الاعتذار. ما أنا فيما أقوله عندك إلّا كجالب التمر إلى هجر، أو ناقل الماء إلى النهر، أو مناطق سحبان، أو مساجل معدّ بن عدنان.

وجاء مرّة إلى الشريف أبي جعفر مسلّم الحسينيّ (٢) فرحّب به فقال: جئت أيها الشريف في حاجة: أريد قبّة على بغل نقل يحمل جميع آلة السفر من وطاب وغطاء ومستعمل، فإنّي خارج في غد إلى مسجد موسى أصلّي فيه وأدعو.

فقال له مسلّم: السمع والطاعة. ما تفتح غدا باب دارك إلّا والجميع على الباب.

ثمّ دعا بالفرّاشين فأخذوا ممّا يحتاجون إليه، فقال له سيبويه: وحقّك يا شريف، ما أخرج إلّا

للصلاة، والدعاء للمسلمين أن يريحهم الله من هذا الخصيّ الأسود (٣)، فقد كدّر الحياة، وأعاب الولاة، وأفسد الصلاة، وما الله عنه بساه.

ثمّ قام منصرفا، فبقي مسلّم مطرقا، وقال لجلسائه: ألا ترون أيّ بليّة ابتليت بها؟ إن أرسلت إليه خفت من الأستاذ، وإن لم أرسل إليه وقعت في لسانه وفي سبّه.

فقال له تاجر يعرف بابن البختري: أنا أكفيك وأدعه الساعة يسألك أن لا ترسل إليه بشيء، على شريطة [أن] تعطيني من ديني خمسمائة دينار.

فقال: لا، ولكن مائتين، ما في خزانتي وحقّك غيرها.

فخرج إلى سيبويه فجلس إليه في المسجد وسكت وهو يتنفّس. فقال له سيبويه: ما لك؟

قال: خير.

ثمّ عاد يتنفّس، فقال: ما لك؟ مات لك ولد، أو تفرّق لك عدد؟ أم أصبت في مالك، أو في عقارك؟

فقال: أسألك الدعاء على سلامة الشرابيّ، فإنّه أخذ مالي وهتكني وأفقرني. وكان سلامة من أكابر القوّاد، وهو منصف في المعاملة.

فقال له: كفاك الله وأحسن إليك وخلّصك.

فقال: يا سيّدي، قد دعوت عليه في كل مسجد، وما يصيبه شيء. وقيل لي: إنّ مسجد موسى الدعاء فيه مستجاب.

فقال سيبويه: كذا هو.

قال: فبعد أن استعرت دابّة خوّفوني.

قال: من أيّ شيء؟


(١) في المخطوط: أن يبدلان.
(٢) حاشية بإزاء هذا الاسم: أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن.
(٣) حاشية أخرى: يعني كافور الإخشيديّ، والحاشيتان من نفس الخطّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>