والدين، والهمّة الموقوفة على الترقّي إلى درجات المتّقين، والعزائم الكفيلة بتسديد أحوال الكافّة أجمعين، شيمة خصّه الله بفضيلتها، وجبلّة أسعده بخلالها وشريف مزيّتها. والله سبحانه يجعل آراءه للتوفيق مقارنة، وأنحاءه للميامن كافلة ضامنة، من أمور المواريث، وما أجراها عليها الحكّام الدارجون بتغاير نظرهم، وقرّروه من تغييرها عمّا كان يعهد بتغلّب آرائهم، وما دخل عليها منهم من الفساد، والخروج بها عن المعهود والمعتاد: وهو أنّ كلّ خارج من الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين مذاهبهم واعتقاداتهم، يحمل ما يترك من موجوده على حكم مذهبه في حياته، والمشهور من اعتقاده إلى حين وفاته. فيخلص لحرم ذوي التشيّع الوارثات جميع موروثهم، وهو المنهج القويم لقول الله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)[الأنفال: ٧٥]، ويحمل من سواهنّ على مذهب مخلّفيهنّ، ويشركهم بيت مال المسلمين في موجودهم، ويحمل إليه جزء من أموالهم التي أحلّ الله لهنّ بعدهم، عدولا عن محجّة الدولة، وخروجا عمّا جاء به الصادقون الأئمّة الذين نزل في بيتهم الكتاب والحكمة، فهم قرّاء القرآن، وموضّحو غوامضه ومشكلاته بأوضح البيان، وإليهم يسلّم المؤمنون، وعلى هديهم وإرشادهم يعوّل الموفّقون. فلم يرض أمير المؤمنين الاستمرار في ذلك على قاعدة واهية الأصول، بعيدة من التحقيق، خالية من المحصول، ولم ير إلّا العود فيه [١٩٧ أ] إلى عادة آبائه المطهّرين، وأسلافه العلماء المهديّين، صلوات الله عليهم أجمعين. وخرج أمره إلى السيد الأجلّ المأمون بالإيعاز إلى القاضي ثقة الملك النائب (١) في الحكم عنه، بتحذيره، والأمر له بتحذير جميع النوّاب في الأحكام بالمعزّيّة القاهرة ومصر، وسائر الأعمال دانيها وقاصيها، قريبها ونائيها، من الاستمرار على تلك السنّة المجدّدة، ورفض تلك القوانين التي كانت معتمدة، واستئناف العمل في ذلك بما يراه آباؤه الأئمّة المطهّرة، وأسلافه الكرام البررة، وإعادة جميع مواريث الناس على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم، إلى المعهود من رأي الدولة فيها، والإفراج عنها برمّتها إلى مستحقّيها، من غير اعتراض عليهم في قليلها ولا كثيرها، وأن يضربوا عمّا تقدّم صفحا، ويطووا دونه كشحا، منذ تاريخ هذا التوقيع، وفيما يأتي بعده مستمرّا غير مستدرك لما فات ومضى، ولا متعقّب لما ذهب حكمه وانقضى. وليوعز الأجلّ المأمون- عضد الله به الدين- بامتثال هذا المأمور و [ال] اعتماد على مضمون هذا المسطور، وليحذّر كلّا من القضاة والنوّاب، والمستخدمين في الباب، وسائر الأعمال، من اعتراض موجود أحد ممّن يسقط بالوفاة، وله وارث بالغ رشيد، حاضر أو غائب، ذكرا كان أو أنثى، من سائر الناس على اختلاف الأديان، بشيء من التأوّلات، أو تعقّب ورثته بنوع من أنواع التعقّبات، إلّا ما أوجبته بينهم المحاكمات والقوانين الشرعيّات الواجبات، نظرا في مصالح الكافّة، ومدّا لجناح العاطفة عليهم والرأفة، ومضاعفة للإنعام، وإبانة عن شريف النظر إليهم والاهتمام.
فأمّا من يموت حشريّا، لا وارث له حاضر ولا غائب فموجوده لبيت المال بأجمعه على الأوضاع السليمة، والقوانين المعلومة القويمة، إلّا ما
(١) هو أبو بكر مسلّم الرسعنيّ قاضي القضاة (حاشية بالهامش).