للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يستحقّه خرج (١) إن كان له، أو دين عليه يثبت في جهته. وإن سقط متوفّى وله وارث غائب، فليحتط الحكّام والمستخدمون على تركته احتياطا حكميّا، وقانونا شرعيّا، مصونا من الاصطلام، محروسا من التفريط والاخترام. فإن حضر وأثبت استحقاقه ذلك في مجلس الحكم بالباب، على الأوضاع الشرعيّة الخالصة من الشبه والارتياب، طولع بذلك ليخرج الأمر بتسليمه [١٩٧ ب] إليه، والإشهاد بقبضه عليه.

وكذلك أنهي إلى حضرة أمير المؤمنين أنّ شهود الحكم بالباب وبجميع الأعمال إذا شارف أحد منهم بيع شيء ممّا يجري في المواريث من الترك التي يتولّاها الحكّام، يأخذون ربع العشر من ثمن المبيع فيعود ذلك بالنقيصة في أموال الأيتام، والتعرّض إلى الممنوع الحرام، اصطلاحا استمرّوا على فعله، واعتمادا لم يجر الأمر فيه على حكمه.

فكره ذلك وأنكره، واستفظعه وأكبره. واقتضى حسن نظره في الفريقين ما خرج به أمره من توفير مال الأيتام، وتعويض من يباشر ذلك من الشهود جاريا يقام لكلّ منهم من الإنعام. وأمر بوضع هذا الرسم وتعفيته وإبطاله وحسم مادّته. فليعتمد القاضي ثقة الملك ذلك في الباب، وليصدر الإعلام به إلى سائر النوّاب، سلوكا لمحجّة الدين، وعملا بأعمال الفائزين السعداء المتّقين، بعد تلاوة هذا التوقيع بالمسجدين الجامعين بالمعزّيّة القاهرة المحروسة ومدينة مصر، على رءوس الأشهاد، ليتساوى في معرفة مضمونه كلّ قريب وبعيد، وحاضر وباد، وليفرّع منه النسخ إلى جميع النوّاب عنه في الأعمال، وليجلّد [هـ] في مجلس الحكم بعد ثبوته في ديواني المجلس

والخاصّ الآمريّ (٢)، وحيث يثبت إن شاء الله حجّة مودعة في اليوم وما بعده.

وكتب لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستّ عشرة وخمسمائة».

ولمّا ودّع الفقيه أبو بكر ذكر له أنّه يريد بناء مسجد بظاهر الثغر على البحر، فكتب إلى مكين الدولة أبي طاهر أحمد بن عبد المجيد بن أحمد بن الحسن ابن حديد قاضي الإسكندريّة وناظرها بعمارة ذلك من مال ديوان المأمون، دون مال الدولة. فبنى مسجدا على باب البحر.

ثمّ بنى له أيضا سلطان الجيوش حيدرة أخو المأمون مسجدا آخر بالمحجّة من الثغر.

وكان إماما عالما زاهدا ورعا ديّنا متواضعا متقشّفا متقلّلا من الدنيا راضيا منها باليسير، وكان يقول: إذا عرض لك أمران، أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة يحصل لك أمر الدنيا والآخرة.

وكان كثيرا ما ينشد [الرمل]:

إنّ لله عبادا فطّنا ... طلّقوا الدنيا وخافوا الفتنا

فكّروا فيها فلمّا علموا ... أنّها ليست لحيّ وطنا

جعلوها لجّة واتّخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا

وحصّل كثيرا وكتب بخطّه، وصنّف عدّة تصانيف مفيدة. وحدّث فروى عنه جماعة وتخرّج به جماعة كثيرة من أعيان الفقهاء. وظهرت بركته


(١) الخرج: مستحقّات الدولة (دوزي والاتّعاظ ٣/ ٩١ هـ ١).
(٢) ديوان المجلس «هو أصل الدواوين قديما وفيه علوم الدولة بأجمعها». الخطط ١/ ٣٩٧، فهو بمثابة الوزارة الأولى اليوم.
ديوان الخاصّ هو الساهر على ممتلكات السلطان الخاصّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>