للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان أبو عبد الله يتعجّب من تقويته له وموعظته (١).

ومكث أبو عبد الله مسجونا في دار الحضاريّ أيّاما، ثمّ نقل إلى حبس العامّة [في درب الموصلية] (٢). (قال): لمّا سجن أبو عبد الله جاءه السجّان فقال له: يا أبا عبد الله، الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم [ ... ] قال السجّان:

وأنا من أعوان الظلمة. فقال له أبو عبد الله: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل [ ... ] ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، أمّا أنت فمن أنفسهم.

وكان أحمد بن أبي دواد المعتزليّ مستوليا لقضاء القضاة وكان يحمل المعتصم على القول بخلق القرآن. قال إسحاق بن حنبل عمّ الإمام:

لقد كنت أتكلّم مع أصحاب السلطان والقوّاد في خلاص أبي عبد الله فلم يتمّ لي أمر، فاستأذنت على إسحاق بن إبراهيم فدخلت إليه وكلّمته فقال لحاجبه: اذهب معه إلى ابن أخيه ولا يكلّم ابن أخيه بشيء إلّا أخبرتني به. قال إسحاق: فدخلت على أبي عبد الله ومعي حاجبه، فقلت: يا أبا عبد الله، قد أجاب أصحابك وقد أعذرت فيما بينك وبين الله وبقيت أنت في الحبس والضيق.

فقال أبو عبد الله. يا عمّ، إذا أجاب العالم تقيّة، والجاهل يجهل، متى يتبيّن الحقّ؟ (قال) فأمسكت عنه (قال) فذكر أبو عبد الله ما روي في التقيّة من الأحاديث فقال: كيف تصنعون بحديث خبّاب (٣): إنّ من كان قبلكم ينشر أحدهم بالمنشار

ثمّ لا يصدّه ذلك عن دينه (قال) فيئسنا منه. ثمّ قال: لست أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلّا واحد، ولا قتلا بالسيف، إنّما أخاف فتنة بالسوط وأخاف أن لا أصبر. فسمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله ما هو إلّا سوطان ثمّ لا تدري أين يقع الباقي. فلمّا سمع ذلك سرّي عنه.

(قال) ثمّ حوّل أبو عبد الله إلى دار إسحاق بن إبراهيم في شهر رمضان سنة تسع عشرة ومائتين، فبعث إسحاق بن إبراهيم فأخذ الزنبيل الذي فيه إفطار أبي عبد الله فنظر إليه فإذا فيه رغيفان وشيء من قثاء وملح فعجب إسحاق من ذلك.

قال أبو عبد الله: كان إسحاق يوجّه إليّ برجلين يناظراني يقال لأحدهما أحمد بن رباح والآخر أبو شعيب الحجّام فلا يزالان يناطراني، فإذا أرادا الانصراف دعوا (٤) بقيد حتّى صار في رجلي سبعة أقياد. (قال) ودار بيني وبين الحجّام كلام فقلت له: ويحك، بعد طلبك العلم والحديث صرت إلى هذا الأمر؟ وسألته عن علم الله فقال: مخلوق.

فقلت: كفرت بالله العظيم! (٥) فقال لي رجل معه:

هذا رسول أمير المؤمنين. فقلت له: هذا كفر بالله العظيم. ثمّ قلت لصاحبه ابن رباح: هذا زعم أنّ علم الله مخلوق فكفر، فنظر إليه وأنكر عليه مقالته، تمّ انصرفا. فقال الحجّام: ما رأيت لهذا نظيرا: عجبت من هذا الذي هو فيه، وهو يعظني ويوبّخني.

قال أبو عبد الله: ثمّ أدخلت على إسحاق فقال لي: لو أجبت أمير المؤمنين إلى ما دعاك إليه؟

فكلّمته بكلام قويّ. فقال: يا أحمد إنّي عليك


(١) كلمات مطموسة، والإكمال من تاريخ بغداد ٣/ ٣٢٣ ومن ترجمة أحمد في أعلام النبلاء ١١/ ٢٤٢.
(٢) الزيادة من ترجمته في أعلام النبلاء.
(٣) حديث خبّاب بن الأرتّ في ترجمته بأسد الغابة رقم ١٤٠٧.
(٤) في المخطوط: دعيا.
(٥) زيادة في الهامش بالخطّ نفسه: وجه الكفر أنّه جعل الباري سبحانه محلّا للحوادث.

<<  <  ج: ص:  >  >>