للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مشفق، وقد آلى أمير المؤمنين إن لم تجبه ليقتلنّك. فقلت له: ما عندي في هذا الأمر إلّا الأوّل- كذا نقل البيهقي.

ونقل ابن الجوزيّ أنّ إسحاق بن إبراهيم قال له: إنّ أمير المؤمنين لا يقتلك، وقد آلى إن لم تجبه يضربك ضربا بعد ضرب ويلقيك في موضع لا ترى فيه شمسا. ثمّ قال إسحاق: اذهبوا به إلى أمير المؤمنين. قال أبو عبد الله: فذهبوا بي إلى دار المعتصم، وأدخلت في حجرة ليلا وأغلق عليّ الباب وأقعد عليه رجلان، وليس في المكان سراج. فأردت أن أتيمّم للصلاة فمددت يدي فإذا أنا بإناء فيه ماء وطست موضوع، فتوضّأت وقمت أصلّي ولا أعرف القبلة فصلّيت. فلمّا أصبحت فإذا أنا أصبت القبلة. ثمّ جاء رسول المعتصم فقال: أجب! فثقلت عليّ القيود وكدت غير مرّة أخرّ على وجهي. فأخرجت تكّة سراويلي وشددت بها القيود أحملها، وعطفت سراويلي من غير تكّة. ثمّ مشيت إلى أن دخلت عليه والتكّة بيدي أحمل بها الأقياد، فإذا هو جالس وابن أبي دواد حاضر وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه، منهم أبو عبد الرحمن الشافعيّ (١) وغيره. فلمّا نظر إليّ المعتصم سمعته يقول لهم كالمنكر عليهم: أليس قد زعمتم أنّه حدث السنّ؟ هذا شيخ مكتهل. فلمّا دنوت سلّمت. فقال لي المعتصم: ادن! ولم يزل يدنيني حتى قربت منه. ثمّ قال: اجلس! فجلست وقد أثقلتني الأقياد، فمكثت قليلا ثمّ قلت: يا أمير المؤمنين [٣ ب] ائذن لي في الكلام. فقال: تكلّم! فقلت: إلام دعا الله ورسوله- وفي رواية: إلام دعا إليه ابن عمّك رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: إلى شهادة أن

لا إله إلّا الله. ثمّ قلت: إنّ جدك ابن عبّاس يقول: لمّا قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلم سألوه عن الإيمان فقال: أتدرون ما الإيمان بالله؟

قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا الخمس من المغنم. فإلام أدعى وهذه شهادتي وإخلاصي بالتوحيد؟ فقال المعتصم: لولا أنّي وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت لك. ثمّ قال لعبد الرحمن بن إسحاق (٢):

ألم آمرك أن [ترفع] المحنة؟ قال أبو عبد الله:

فقلت: الله أكبر! إنّ في هذا لفرجا للمسلمين.

ثمّ قال المعتصم للحاضرين: ناظروه! ثمّ قال لعبد الرحمن: كلّمه! فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ فسكتّ، فقال لي المعتصم:

أجبه! فقلت له: ما تقول في علم [الله ... ] قلت لعبد الرحمن: القرآن من علم الله عزّ وجلّ ومن زعم أنّ علم الله مخلوق فقد كفر بالله. فسكت عبد الرحمن، فقال [الجماعة] للمعتصم: يا أمير المؤمنين أكفرنا وأكفرك! فلم يلتفت إلى ذلك منهم. فقال لي عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن فقلت سبحان الله! ولا علم؟ فأمسك، ولو زعم أنّ الله كان ولا علم لكفر.

قال أبو عبد الله: واحتجّوا عليّ بحديث عمران بن حصين (٣) إنّ الله عزّ وجلّ خلق الذّكر، والذكر هو القرآن. فقلت: هذا خطأ، حدّثنا غير واحد أن الله عزّ وجلّ كتب الذّكر.

واحتجّوا عليّ بحديث ابن مسعود: وما خلق الله من جنّة ولا نار، ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسيّ. قال أبو عبد الله: فقلت: إنّما وقع الخلقعلى الجنّة والنار، والسماء والأرض، ولم


(١) أبو عبد الرحمن الشافعيّ: هو ابن بنت الإمام الشافعي كما جاء في أعلام النبلاء ١١/ ٢٤٠ في هامش ١ للمحقّقين.
(٢) عبد الرحمن بن إسحاق قاضي بغداد.
(٣) عمران بن حصين الخزاعيّ الصحابيّ: أسد الغابة ٤٠٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>