يقع على القرآن.
قال أبو عبد الله: كان القوم إذا انقطعوا عن الحجّة عرض ابن أبي دواد فتكلّم. وكلّمني مرّة فلم ألتفت إليه، فقال لي المعتصم: ألا تكلّمه؟
فقلت: لست أعرفه من أهل العلم فأكلّمه! .- قال أبو عبد الله: وكان ابن أبي دواد من أجهل الناس بالعلم والكلام- (قال) فجعل ابن أبي دواد يقول:
يا أمير المؤمنين، والله إن أجابك لهو أحبّ إليّ من مائة ألف دينار ومائة ألف دينار- وعدّد من ذلك ما شاء الله- فقال المعتصم: والله إنّه لفقيه والله إنّه لعالم، ووددت أن يكون معي يصلح من شأني ويردّ عليّ أهل الملل. ثمّ قال لي: يا أحمد، أتعرف صالحا الرشيد؟ (١) قلت: قد سمعت باسمه. قال: كان مؤدّبي وكان صاحب سنّة، فسألته عن القرآن فخالفني فأمرت به فوطئ وسحب.
ثمّ قال لي: يا أحمد، أجبني إلى شيء فيه أدنى فرج حتّى أطلق عنك بيدي. ولأركبنّ إليك بجندي ولأطأنّ بساطك! فقلت: أعطوني شيئا من كتاب الله تعالى أو سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فلمّا طال المجلس قام ورددت إلى الموضع الذي كنت فيه، ووجّه إليّ برجلين من أصحاب ابن أبي دواد يبيتان عندي ويناظراني. فلمّا كان وقت الإفطار وجيء بالطعام جهدا بي أن أفطر فلم أفعل.
فلمّا كان في اليوم الثاني جاء الرسول فذهب بي. فقال لهم: ناظروه وكلّموه فجعلوا يناظروني ويتكلّم هذا من ههنا فأردّ عليه ويتكلّم هذا فأردّ عليه، وإذا جاءوا بشيء من الكلام والبدع ممّا ليس في كتاب الله تعالى ولا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا عندي فيه خبر أقول: لا أدري ما هذا، فيقولون:
يا أمير المؤمنين، إذا توجّهت له الحجّة انساب علينا، وإذا كانت الحجّة عليه قال: لست صاحب كلام، أنا صاحب أثر. فلم يزالوا كذلك إلى قرب الزوال، فلمّا ضجر قال لهم: قوموا! ثمّ رددت إلى المكان الذي كنت فيه.
فلمّا كان الليل نام من كان معي وأنا متفكّر في أمري، فإذا أنا برجل طويل يتخطّى الناس حتّى دنا منّي، فقال: أنت أحمد بن حنبل؟ قلت: نعم.
قال: فاصبر ولك الجنّة. قال أبو عبد الله رضي الله عنه: فلمّا مسّني حرّ السوط ذكرت قول الرجل فصبرت. (قال) فلمّا كانت الليلة الثالثة قلت:
خليق أن يحدث غدا من أمري شيء. فلمّا كان من الغد وجّه إليّ المعتصم فأدخلت فإذا الدار غاصّة، فجعلت أدخل من موضع إلى موضع، وقوم معهم السيوف، وقوم معهم السياط وغير ذلك، ولم يكن في اليومين الماضيين شيء من ذلك. فلمّا انتهيت إليه قال: اقعد! ثمّ قال لي: يا أحمد، أجبني إلى ما أدعوك إليه، فإنّه بلغني أنّك تحبّ الرئاسة، وو الله إن أجبتني إلى ما أنا فيه لآتينّك في حاشيتي ومواليّ ولأطأن بساطك ولأنوّهنّ بك! يا أحمد، الله الله في نفسك! .
قلت: يا أمير المؤمنين هذا القرآن وأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخباره فمهما وضع عليّ من حجّة صرت إليها. فقال: ناظروه! كلّموه! (قال) فجعلوا يناظروني ويتكلّم هذا فأردّ عليه، ويتكلّم هذا فأردّ عليه، ويتكلّم هذا فأردّ عليه، وصار صوتي يعلو أصواتهم. قال أبو عبد الله: واحتجّوا عليّ فقالوا: تجيء سورة البقرة يوم القيامة، فقلت لهم: إنّما هو الثواب، قال عزّ وجل: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر، ٢٢] وإنّما تأتي قدرته، أي آثار قدرته، إنّما القرآن أمثال ومواعظ، وأمر ونهي، وكذا وكذا. فلمّا طال المجلس نحّاني
(١) صالح الرشيديّ في أعلام النبلاء.