للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا ابن عمر واقف ينفض لحيته، فسمعته يقول:

أبناء الأنجاس وأبناء الأرجاس، ما لهم ولهذا؟ وما كلامهم في هذا؟ لا يقوون عليه! ثمّ انتبهت. وقد كنت رأيت هذه الرؤيا قبل إنذاري أحمد في اليقظة، ثمّ رأيت أحمد بعد ذلك فكان كما رأيته في المنام.

ومنها ما حكاه الحافظ أبو نعيم في الحلية بسنده إلى محمّد بن خزيمة قال: لمّا مات أحمد بن حنبل اغتممت غمّا شديدا فبتّ من ليلتي فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت: يا أبا عبد الله، أيّ مشية هذه؟ قال: هذه مشية الخدّام في دار السلام (قال) قلت: ما فعل الله بك؟ قال:

غفر لي وتوّجني وألبسني نعلين من ذهب وقال: يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي غير مخلوق، ثمّ قال: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري وكنت تدعو بهنّ في دار الدنيا.

(قال) فقلت: يا ربّ كلّ شيء، بقدرتك على كلّ شيء، لا تسألني عن شيء، واغفر لي كلّ شيء! فقال: يا أحمد هذه الجنّة فقم فأدخل إليها، فدخلت، فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة وهو يقول:

وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ [الزمر: ٧٤]. (قال) فقلت: ما فعل عبد الوهّاب الورّاق؟ قال: تركته في بحر من نور يزور ربّه الملك الغفور. فقلت له: ما فعل بشر؟ فقال: بخ بخ! ومن مثل بشر؟ تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل جلّ جلاله مقبل عليه وهو يقول له: كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم يتنعّم، أو كما قال، والله أعلم (١).

[٩ ب] وأمّا رؤية الباري سبحانه وتعالى، فتارة تكون في اليقظة وتارة تكون في المنام. فأمّا رؤيته تعالى في اليقظة فقال الشيخ محيي الدين النوويّ:

أجمع أهل السنة على أنّ رؤية الربّ سبحانه في الدنيا ممكنة غير مستحيلة عقلا. وأمّا وقوعها فجمهور العلماء على أنّها لم تقع لغير نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلم، واختلف في وقوعها لسيّدنا موسى صلوات الله وسلامه عليه وللجبل أيضا، فقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إنّ موسى عليه السلام رأى الله تعالى فخرّ صعقا وأنّ الجبل رأى ربّه عزّ وجلّ بإدراك خلقه الله له فصار دكّا. والصحيح أنّها لم تقع لغير نبيّنا صلّى الله عليه وسلم لادّخارها له. واختلفوا هل كانت رؤية نبيّنا صلّى الله عليه وسلم بعيني رأسه أو بقلبه؟

والصحيح الأوّل، وهو مذهب أكثر العلماء.

وأمّا رؤيته تعالى في المنام- ويتشبّث بها الكلام في رؤية النبيّ صلّى الله عليه وسلم ورؤية الأموات يقظة ومناما، فاختلف فيها: قال الإمام الغزالي: والحقّ أنّا نطلق القول برؤية الله تعالى في المنام كما نطلق رؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولكن من لا يفهم معنى رؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلم كيف يفهم معنى رؤية الله تعالى؟

ولعلّ العالم الذي طبعه قريب من طبع البهائم فهم أنّ من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد رأى حقيقة شخصه المودع في روضة المدينة، نشر من القبر وخرج مرتحلا إلى موضع الرؤية، وما أشدّ جهل من توهّم ذلك! فقد يراه ألف في ليلة واحدة في حالة


- من الترجمة وأخذ في مناقشة موضوع رؤية الله (تعالى) والنبيّ (صلّى الله عليه وسلم) في الدنيا والآخرة بالبصر أو البصيرة، مستشهدا بأقوال كبار المتصوّفة.
وفي المناقب يستغرق عرض منامات أحمد التي رآها هو أو رؤي فيها الصفحات ٤٣٤ - ٤٨٠. أمّا باب رؤية الله تعالى فمفقود فيها. فلعلّ مناقشة هذا الباب هي إضافة من صاحب المخطوط الملحق أو من الناقل عن المقريزي؟ .
(١) ينتهي الحديث عن ابن حنبل هنا ولا يعود إلّا في الأسطر الأخيرة من الصفحة ٩ ب، كأن الناسخ أسقط القسم الأخير-

<<  <  ج: ص:  >  >>