للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة (١) بإلزام الفقهاء بذلك. ثم جلس في حادي عشرينه لعرض الناس فعرضوا عليه طوائف طوائف من الفقهاء والأشراف وأهل الأسواق، فقدّم على كلّ طائفة رجالا يلون أمرهم.

فقدم غازان في أوائل سنة سبعمائة إلى أنطاكية، وجفل الناس قدّامه إلى دمشق. فخرج السلطان بعساكره من مصر إلى العوجاء، ثمّ عاد فاشتدّ خوف أهل دمشق وسار أكثرهم إلى مصر.

ونادى الأفرم في تاسع جمادى الأولى: من أقام بعد هذا النداء، فدمه في عنقه، ومن عجز عن السفر فعليه بالقلعة.

فجفل الكافّة وغلت أسعار المبيعات فبلغت غرارة القمح ثلاثمائة درهم، والرطل من لحم الضأن تسعة دراهم. واشتدّ الإرجاف بمجيء غازان، فخلت بلاد الشام من أهلها وساروا بأجمعهم إلى مصر. ثم سكن الحال إلى أن كانت وقعة شقحب في رمضان سنة اثنتين وسبعمائة فشهدها.

ثمّ خرج في ثاني المحرّم سنة خمس وسبعمائة من دمشق بالعساكر لقتال أهل جبل كسروان بعد ما نادى في الناس: من تأخّر من الأجناد والرجّالة شنق. فسار في خمسين ألفا، ونازلهم وخرّب ضياعهم، وقطع كرومهم، وقاتلهم أحد عشر يوما وملك الجبل عنوة وقتل من أهله جماعة وأسر ستّمائة رجل. وغنم العسكر [٢١١ أ] مالا عظيما، وعاد في رابع صفر إلى دمشق (٢).

وأنشأ بصالحيّة دمشق جامعا جليلا في سنة سبع وسبعمائة، ومدّ بعد فراغه للناس سماطا عظيما

عليه سائر أنواع الأطعمة والحلاوات، وحضره أهل العلم والصلاح. ثم مدّ من الغد سماطا آخر للأمراء.

ولمّا قلق الملك الناصر من شدّة الحجر عليه وتوجّه إلى الكرك بحيلة أنّه يريد الحجّ، وكتب إلى أمراء مصر أنّه نزل عن ملك مصر، قام الأمير بيبرس الجاشنكير في السلطنة وكتب إلى نوّاب الممالك بالدخول في طاعته، فما منهم إلّا من أجاب بالسمع والطاعة، ما عدا الأفرم، فإنّه قال (٣): بئس ما فعله الملك الناصر بنفسه، وبئس ما فعله أيضا خوشداشنا- يعني بيبرس- وأنا فما يمكنني الآن أن أحلف للسلطان الملك المظفّر، وقد حلفت لغيره- يعني الناصر- ولكن أنا أرسل من جهتي إلى الملك الناصر رسولا وأرسل معه شهودا يشهدون عليه أنّه خلع نفسه، ويأذن لي في الحلف لغيره.

وبعث على البريد طائفة من أعيان دمشق [٢١١ أ] فعادوا بجوابه، يتضمّن شكره والثناء عليه ويعرّض بأنّه ترك السلطنة. فأصبح يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة. وقد جمع الناس بجامع بني أميّة، وقرئ عليهم تقليده بنيابة دمشق على عادته، وزيد في ألقابه وتعظيمه وتفخيمه، وخطب للملك المظفّر، وزيّنت المدينة زينة جليلة.

فاستمرّ إلى أن تحرّك الناصر من الكرك يريد ارتجاع الملك إليه فدافعه عن ذلك، وقام بأمر الملك المظفّر قياما عظيما، والعساكر تتمرّق من بين يديه وتصير إلى الملك الناصر حتى ذهب أكثرهم، وعزم من بقي من أمراء دمشق بها على قبضه. ففرّ ليلا إلى الشقيف.


(١) بدر الدين ابن جماعة: انظر ترجمته في المقفّى ٥/ ٨٩ رقم ١٦٣٢.
(٢) السلوك ٢/ ١٤.
(٣) السلوك ٢/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>