للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ودخل الملك الناصر دمشق في ثاني عشر شعبان سنة تسع وسبعمائة. وبعث إليه (١) الأمير علم الدين سنجر الجاولي بالأمان فاعتلّ عليه بحضور أحد ثقات السلطان إليه وحلفه له، فحلف السلطان له ووجّه باليمين صحبة الأمير الحاج أرقطاي الجمدار، فقدم معه، وخرج السلطان فتلقّاه. فلمّا عاين السلطان ترجّل، وهو مشدود الوسط، وتحت إبطه نصفيّة (٢) - يشير إلى أنّها كفنه- فترجّل السلطان أيضا له وعانقه، وقد خرج معظم أهل دمشق، فلمّا رأوا السلطان يعانقه صاحوا بصوت واحد: بتربة والدك الشهيد، لا تغيّر عليه ولا تؤذه! - وتباكوا. فأقبل السلطان عليه وأفاض عليه الخلع وأركبه، ورسم له أن يجلس بدار السعادة ويحكم على عادته ويستقرّ في نيابة الشام، فسرّ الناس ذلك فرحا به ومحبّة له.

وأصبح من الغد فقدّم للسلطان تقدمة سنيّة قيمتها مائتا ألف درهم.

وسار إلى مصر مع السلطان. فبلغ السلطان عنه، وهو نازل ببركة الحاجّ، أنّه قد عزم أن يثور هو وبرلغي الأشرفيّ في جماعة من البرجيّة ويفتك بالسلطان، فبادر وصعد إلى قلعة الجبل. وأصبح يوم الخميس ثاني شوّال ليجلس بالإيوان. فلمّا اجتمع الأمراء أشار الأفرم إلى مغنّيه مسعود وقال له: قم فغنّ «أحبّة قلبي» - فرفع عقيرته، وكان شجيّ الصوت، وغنّى بهذه الأبيات، وهي لبعض المصريّين (٣) قالها لمّا توجّه الملك الناصر إلى الكرك، وهي [الطويل]:

أحبّة قلبي إنّني لوحيد ... أريد لقاكم والمزار بعيد

كفى حزنا أنّي مقيم ببلدة ... ومن شفّ قلبي بالفراق فريد [٢١١ ب]

أجول بطرفي بالديار فلا أرى ... وجوه أحبّائي الذين أريد

فطرب [الأفرم] وأخذ كلفتاه عن رأسه ووضعها بين يديه ساعة، ودموعه تتساقط على شيبته إلى [أن] أخذ الأمير قراسنقر نائب حلب الكلفتاه ووضعها على رأسه.

وخرج السلطان فجلس وصرف الأفرم عن نيابة الشام بقراسنقر، وأنعم على الأفرم بصرخد. فسار إليها وأقام بها إلى أن مات الحاج بهادر الحلبيّ نائب طرابلس في ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة، فنقل إلى نيابة طرابلس ورسم له أن [لا] يدخل دمشق خشية أن تنشب أظفاره فيها ويقوم أهلها معه لحبّهم فيه. فتوجّه إلى طرابلس على مشاريق مرج دمشق في جمادى الآخرة منها، وأقام بها على وجل إلى [أن] خرج الأمير قراسنقر نائب حلب منها ولحق بمهنّا. فكتب إليه يستميله فأجابه إلى موافقته، وبعث بخمسة آلاف دينار إلى صهره الأمير عزّ الدين أيدمر الزّردكاش بدمشق ليفرّقها على من يوافقه. وأنفق الأموال في عسكر طرابلس وسار بجماعة معه إلى قراسنقر.

وتوجّهوا في أخريات سنة اثنتي عشرة وسبعمائة إلى خربندا ملك المغل فأقطع الأفرم همذان. وأقام بها حتى مات في ثالث عشر المحرّم سنة ستّ عشرة وسبعمائة (٤). وقيل: بل تأخّرت وفاته إلى بعد العشرين وسبعمائة.

وحكى عنه أنّه في ابتداء أمره رأى فقيرا مغربيّا


(١) أي، إلى الأفرم.
(٢) النصفيّة: ثوب خشن من القطن. وانظر النجوم ٨/ ٢٦٥ وما يتبعها.
(٣) في النجوم: لبعض عوامّ القاهرة (ج ٩/ ١٠).
(٤) في السلوك ٢/ ١٨٧: في ٢٣ محرّم ٧١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>