في القرافة الكبرى فقال له: يا آقوش، إذا صرت نائب الشام، إيش تعطيني؟
(قال) فقلت له: يا سيّدي، ما أنا قدر هذا.
فقال: لا بدّ لك من هذا! إيش تعطيني؟
فقلت: يا سيّدي، الذي تقول.
فقال: تتصدّق بألفي درهم عند السيّدة نفيسة وبألف درهم عند الشافعيّ.
فقلت: يا سيّدي، باسم الله!
فضحك وقال: ما أظنّك إلّا تنساها، وما تعود تذكرها إلّا إذا جئت هاربا إلى مصر.
(قال) فو الله لقد جعلت كلام المغربيّ ممثّلا بين عينيّ حتى وليت النيابة فأنسانيه الله، ثم ما ذكرته حتى دخلت في نوبة غازان مصر هاربا. فبينا أنا في القرافة إذ مررت بمكان الفقير فذكرت قوله.
فأحضرت على الفور الدراهم وتصدّقت بها.
ودخل عليه مرّة القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله كاتب السرّ بدمشق وهو يلي نيابتها في أيّام تحكّم الأميرين بيبرس وسلّار فالتفت إليه وقال له، وهو يشتكي من افتياتهما (١): والله هذا بيبرس لمّا كنّا في البرج كان يخدمني ويحكّ رجلي في الحمّام ويصبّ الماء عليّ، وإذا رآني والله ما يقعد إلّا إذا قلت له: اقعد، وأما سلّار فما هو منّا ولا له قدر. إيش أعمل في دمشق؟ والله لولا هذا القصر الأبلق والميدان [٢١٢ أ] الأخضر وهذا النهر المليح ما خلّيتهم يفرحون بملك مصر!
ولمّا توجّه الملك الناصر إلى الكرك قال: والله عملوا نحسا. كان ابن أستاذنا وهم حوله أصلح.
ولمّا ظفر بأهل جبل كسروان مدح بعدّة مدائح جمعها شمس الدين أحمد بن يعقوب الطيبيّ
وسمّاها «واقعة كسروان».
وبلغ من التّمكّن في نيابة دمشق مدّة سلطنة المظفّر بيبرس مبلغا عظيما بحيث كان يكتب تواقيع بوظائف كثيرة ويبعثها إلى مصر ليعلّم عليها السلطان فتمضى كلّها. وكتب في دمشق عن السلطان: «بالإشارة العالية الأميريّة الكافليّة كافل الشام أعزّها الله تعالى». وشكا إليه أحد قصّاد الخدمة من المشير تاج الدين إبراهيم ابن سعيد الدولة، فكتب إليه [و] هكذا ابتدأ: وا لك يا ابن سعيد الدولة! ما أنت إلّا ابن تعيس الدولة! وصلت أنّك تقطع جوامك القصّاد الذين هم عين الإسلام؟ والله إن عدت تعرّضت إلى أحد من الشام بعثت من يقطع رأسك ويجيء به في مخلاة! - وبعث [٢١٢ أ] بذلك على البريد مع مملوكه وأمره أن يدفعه إليه في وسط المحفل ويقول له شفاها ما في الكتاب. ففعل ذلك، فلم يطقه ابن سعيد الدولة وقام إلى السلطان الملك المظفّر بيبرس وأراه الكتاب ظنّا أنّه ينتصر له. فلمّا قرأه أطرق زمانا وقال له: أرض الأفرم! وإلّا أنا والله بالبراءة منك. والله إن عمل معك شيئا ما نقدر ننفعك! - فسقط في يده، ورجع إلى مداراته.
وكان قد اشتدّ خوفه من الملك الناصر بحيث [إنّه] لمّا كان في نيابة طرابلس يخرج في كلّ ليلة بعد العشاء، ومعه من يثق به من دار السلطنة إلى موضع حتى ينام فيه بالنوبة، وخيلهم معهم، وربّما هوّموا على ظهور الخيل، إلى أن ورد عليه الخبر بأنّ السلطان رسم له بنيابة حلب وطلبه إلى مصر ليلبس التشريف ويأخذ التقليد، فطار خوفا.
وكان في المرج، فأتاه في الحال مملوك صهره أيدمر الزردكاش يعرّفه أنّه مأخوذ ويحرّضه على الفرار. فسار من وقته إلى قراسنقر. وكان قبل خروجه إلى المرج قد أتاه مملوك قراسنقر وهو
(١) في المخطوط مرّة أخرى: وقال.