فبينا هم في ذلك بمصر إذ ورد الخبر بقدوم الحسن بن أحمد الأعصم كبير القرامطة (١) إلى الرملة، وانهزام الحسن بن عبيد الله منهم إلى مصر. فشغب الأتراك على الوزير وطالبوه بأرزاقهم فاستتر منهم. ونهبوا داره ودور أصحابه وكتّابه فلم يزل مستترا إلى سلخ ذي الحجّة [سنة ٣٥٧]، وقد قدم الحسن بن عبيد الله بن طغج، فخرج إليه، وهو نازل بالمختار في الجزيرة تجاه مصر. وركب معه في يوم الجمعة ثاني المحرّم سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة من المختار إلى الجامع العتيق. فلمّا انقضت الجمعة سار خلف الحسن، والناس تسبّه وتشتمه، فخاف عليه الحسن، وأمره أن يمضي إلى داره، فسار إليها.
ونزل الحسن بدار الإمارة، وقبض على الوزير يوم الاثنين سادس المحرّم وعذّبه، وصادره على مال عظيم باع فيه أملاكا كثيرة. وتوسّط أمره الشريف مسلّم فأطلعه إلى داره [٣٨١ أ] موكّلا به، فأقام إلى أن أطلق في آخر صفر.
وسار الحسن بن عبيد الله إلى الرملة في ثالث ربيع الآخر ومعه شمول وجماعة من القوّاد، فخلت له البلاد، إلّا أنّ الأخبار وردت بمسير عساكر المعزّ مع القائد جوهر في جمادى الآخرة، فأنفذ أهله إلى الأشمونين مع الشريف عيسى بن عبيد الله أخي مسلّم، وجمع الناس وشاورهم فاتّفقوا على مراسلة جوهر. ثمّ اجتمعوا على محاربته، وأن يولّوا عليهم نحرير شويزان. ثمّ انحلّ ذلك وعادوا إلى المراسلة بالصلح، وكانت رسل القائد جوهر ترد سرّا إليه.
فسار الشريف مسلّم والقاضي أبو طاهر في جماعة إلى القائد جوهر في يوم الاثنين ثامن عشر
رجب [سنة ٣٥٨] بتقرير الوزير، وعادوا في أوّل شعبان بكتاب جوهر إلى جماعة أهل مصر، وبكتابه إلى الوزير. وخاطبه فيه بالوزارة بعد ما امتنع من ذلك، وقال للشريف مسلّم: كيف أخاطبه بالوزير، وما وزر لخليفة قطّ؟
فما زال الشريف به حتّى خاطبه بالوزارة.
فاجتمع الناس عنده لقراءة كتاب جوهر، وقد نقض الإخشيديّة والكافوريّة حديث الصّلح، وأقاموا عليهم نحرير شويزان، وانفضّوا. وخرجوا للقتال في عاشر شعبان فقتل كثير منهم.
وعبر جوهر إلى مصر، ونزل بمناخه حيث القاهرة اليوم في سابع عشر [شعبان ٣٥٨]، فخرج إليه فيمن خرج إلى لقائه بالجيزة، فصاح بعض حجّاب جوهر بالناس: الأرض! إلّا الشريف والوزير!
فاستمرّ به جوهر على قرارته، فكان يركب في كلّ يوم إلى القائد جوهر ويلقاه بمناخه فيقبل جوهر منه ما يشير به ويعمل بمقتضاه. وجلس معه في مجلس المظالم كلّ يوم سبت إلى أن ورد عليه كتاب المعزّ في ذي الحجّة [سنة ٣٥٨]. فبعث ابنه أحمد بن جعفر في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة إلى بلاد المغرب بهديّة إلى المعزّ.
فلمّا قدم القرامطة لقتال جوهر، وكلّ القائد جوهر بالوزير أبي الفضل خادما يبيت معه في داره ويركب معه حيث كان. ثمّ أمره في رابع صفر سنة إحدى وستّين [وثلاثمائة] أن يخرج من داره بمصر، وأن يقيم بالقاهرة، فبنى بها دارا سكنها بعده الوزير يعقوب بن كلّس. وردّ إليه جوهر تدبير الأموال في شهر ربيع الآخر إلى أن قدم المعزّ لدين الله في سابع شهر رمضان سنة اثنتين وستّين وثلاثمائة، وردّ الأمور إلى يعقوب بن كلّس وعسلوج بن الحسن.
(١) الأعصم القرمطيّ: ترجمة ١١٤٦.