الذي يظهر ــ ولا أراه يجوز غيره ــ أنَّ المراد مَنْ أسلَم مِمَّن حَوْل المدينة من الأعراب.
وقول الله عز وجل بعد ذلك في آية (٧٨): {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} صريحٌ في بطلان ما زعمه الكلبيُّ أن الآية السابقة نزلت في بعض أجلَّة الصحابة الذين أثنى الله عليهم في آيات لا تُحصى. وحَمْلُ آية (٧٨) على قوم آخرين تفكيكٌ للنظم الشريف بلا داعٍ.
فالحق أنَّ الضمائر فيها لِمَن تقدَّم، أي مَن حَول المدينة مِن الأعراب، وسيأتي ما يوجب القطعَ بذلك.
والمراد بالحسنة والسيئة ما يوافق هواهم أو يخالفه من الأحكام، أي ــ والله أعلم ــ وإن يبلِّغهم الرسول ما يوافق هواهم يقولوا: هذا من عند الله، وإن يبلِّغهم ما يكرهونه كإيجاب القتال يقولوا: هذه مِن عندك، قال تعالى لرسوله:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي: وإنما أنا مبلّغ.
وقوله تعالى في آية (٧٩): {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} الظاهر أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كقوله عقب ذلك:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}.
نعم، المقصود ــ والله أعلم ــ العموم مِن حيث المعنى، أي أنه إذا كان هو - صلى الله عليه وآله وسلم - هكذا فغيره كذلك من باب أولى.
والمراد بالحَسَنة والسيئة: النعمة والمصيبة، وجيء بهذه الجملة بعدما