للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى كل حال، فابن سينا نفسه معترف بأن تلك الوحدة تأباها العقول الفطرية ــ وهي عقول الجمهور ومنهم الصحابة والتابعون ــ وتقطع بأنَّ حاصلها العدم المحض. ويعترف بأن الشرائع جاءت بضد تلك الوحدة، وقد مرَّ كلامه. ويوافق عليه من يتعانى التحقيق من المتكلمين كما يأتي في مسألة الجهة عن الغزالي والتفتازاني. وإذا كان الأمر هكذا فلا ريب أنه لا وجه لحمل قولِ الله عز وجل «أحد» على تلك الوحدة، فلنطلب معنى آخر.

قال بعض السلفيين: إنه «الواحد في الربوبية والألوهية، لا ربَّ سواه، ولا إله إلا هو». وهذا المعنى محتاج إلى التطبيق على السياق، وسبب النزول. وذلك ممكن بنحو ما مرَّ في «الواحد»، لكن يبقى هنا سؤال وهو: لماذا جاء الاسم «الواحد» في القرآن معرَّفًا، وجاء «أحد» غير معرَّف؟

وهاهنا معنى ثالث. في كتب اللغة (١) أنه يُقال «رجل وَحَد: لا يعرف نسبُه وأصلُه». وعن ابن سيده أنه يقال: «رجل أحد» بهذا المعنى. وفي «القاموس» (٢): «رجلٌ وَحَدٌ وأَحَد ــ محرَّكتَيْن ــ ووَحِد ووَحِيد ومتوحِّد: منفرد». قال شارحه (٣): «وأنكر الأزهري قولهم: رجل أحد، ... لأن أحدًا من صفات الله عز وجل التي استخلصها لنفسه». وفي «القاموس» (أح د) (٤): «الأحد بمعنى الواحد، أو الأحد لا يوصف به إلا الله سبحانه وتعالى». قال


(١) انظر «لسان العرب» (وحد).
(٢) (١/ ٣٤٣).
(٣) «تاج العروس» (٩/ ٢٦٦) ط. الكويت.
(٤) (١/ ٢٧٣).