للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسألة

قال ابن جرير (١): "اختُلِف في صفة الغضب من الله جلَّ ذكرهُ، فقال بعضهم: غضبُ الله على من غضِبَ عليه من خلقه إحلالُ عقوبته بمن غضِبَ عليه ... وقال بعضهم: غضبُ الله على من غَضِب عليه من عباده ذمٌّ منه لهم [ولأفعالهم] (٢) وشتمٌ منه لهم بالقول. وقال بعضهم: الغضب معنى مفهوم كالذي يُعرف من معاني الغضب، غيرَ أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات، فمخالفٌ معناه [منه] معنى ما يكون مِن غضب [الآدميين] الذين يُزعجهم ويُحرِّكهم ويَشُقُّ عليهم ويؤذيهم، لأنَّ الله جلَّ ثناؤه لا تحلُّ ذاتَه الآفاتُ، ولكنه له صفة، كما العلمُ له صفةٌ، والقدرة له صفة، على ما يُعقَل من جهة الإثبات، وإن خالفتْ معاني ذلك معانيَ علوم العباد، التي هي معارف القلوب وقواهم التي تُوجَد مع وجود الأفعال وتُعدَم مع عدمها".

أقول: القولان الأولان كأنهما لبعض معاصريه أو متقدِّميه قليلًا ممن خاض في هذه الأشياء. فأمَّا السلفُ فلم يشتبه عليهم الأمر، لأنَّ معنى الغضب في حدِّ ذاته معنى مكشوف، والعرب تفهمه مطلقًا، ثم تنسبُه وتفهم نسبتَه إلى من اتصف به على حسب ما يليق به. وقد علموا أنَّ الربَّ عزَّ وجلَّ ليس من جنس خلقه، فلا يفهمون من نسبة الغضب إليه سبحانه أنَّ غضبه كغضب الإنسان من كل وجه، حتى يلزمَه كلُّ ما يلزم غضبَ الإنسان.


(١) في "تفسيره" (١/ ١٨٨ ــ ١٨٩).
(٢) ما بين الحاصرتين هنا وفيما يأتي زدته من "تفسير الطبري".