إن قيل: لا ريب أن الانسان ينشأ على دين واعتقاد ومذهب وآراء يتلقاها من مربِّيه [٢/ ١٨٩] ومعلِّمه، ويتبع فيها أسلافه وأشياخه الذين تمتلئ مسامعه بإطرائهم وتأكيدِ أن الحقَّ ما هم عليه، وبِذَمّ مخالفيهم وثلبهم، وتأكيدِ أنهم على الضلالة. فيمتلئ قلبه بتعظيم أسلافه، وبُغْض مخالفيهم، فيكون رأيه وهواه متعاضِدَين على اتباع أسلافه ومخالفة مخالفيهم. ويتأكد ذلك بأنه يرى أنه إن خالف ما نشأ عليه رماه أهله وأصحابه بالكفر والضلال، وهجروه وآذوه وضيَّقوا عليه عِيشته. ولكن هذه الحال يشترك فيها من نشأ على باطل، ومن نشأ على حق. فإذا دعونا الناس إلى الاستيقاظ للهوى، وبينَّا لهم أثره وضرره، فمن شأن ذلك أن يُشكّكهم فيما نشأوا عليه. وهذا إنما ينفع من نشأ على باطل. فأما من نشأ على حق، فإن تشكيكه ضرر محض؛ لأن غالب الناس عاجزون عن النظر.
قلت: المطالب على ثلاثة أضرب:
الأول: العقائد التي يُطْلَب الجزمُ بها ولا يسع جهلُها.
الثاني: بقية العقائد.
الثالث: الأحكام.
فأما الضرب الأول، فسنبيِّن إن شاء الله تعالى أن النظر فيه ميسَّر لكلِّ أحد، وأن النظر العقلي المتعمَّق فيه لا حاجة إليه، وهو مَثار الشبهات، وملجأ الهوى (١)، ومنشأ الضلال، كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالى. فمن استجاب