كان من المعلوم المقطوع به في عهد السلف الصالح أنَّ أثبتَ ما يُحتَجُّ به في العقائد وغيرها كلامُ الله تعالى وكلامُ رسوله. ثم لما حدث التعمق في النظر العقلي كان بعض المتعمقين ربما يزيغ عما يعرفه الناس، فيردُّ عليه أئمة الدين، ويبدِّعونه، ويضلِّلونه، ويحتجُّون بالنصوص. فربما تأوَّل هو النصَّ أو ردَّ الحديثَ زاعمًا أنه لا يثق بسنده، فيردُّ عليه أئمةُ الدين تأويلَه بأنه خلاف المعنى الذي تعرفه العرب من لسانها، وخلافُ ما أُثِر من التفسير عمن سلف. ويردُّون عليه ردَّه للحديث بأن رجاله ثقات وأن أئمة الرواية يصححونه. واستمرَّ الأمرُ على هذا زمانًا.
وفي القرن الثاني نبغ من المبتدعة مَن يردُّ أخبارَ الآحاد حتى في الفقهيات، واقتصر بعضهم على ردِّها إذا خالفت القياس، وظاهرٌ أن هذا يردُّها إذا خالفت المعقول في زعمه. وقد ردَّ أئمةُ الدين على هؤلاء، وفي كتب الشافعي كثير من الرد عليهم، وكذلك تعرض له البخاري في «الصحيح». وعلى كل حال، فكان معروفًا بين الناس أن أولئك المتأولين للنصوص على خلاف معانيها المعروفة والرادِّين للأخبار الصحيحة هم مبتدعة.
ثم عندما كثُر المتعمِّقون، والتبس بعضهم بأهل السنة، كثر القائلون بأن أخبار الآحاد إذا خالفت المعقول يجب تأويلها أو ردُّها، ولبَّسوا بذلك. فإن المعقول المقبول ــ وهو ما كان من المأخذ السلفي الأول ــ لا يصح نصٌّ