وفوق هذا كلِّه فإننا نقول: إن إخبار إبليس ومقاسمته إيَّاهما مع ظنِّهما أنه لا يُقْسِم مخلوقٌ بالله عزَّ وجلَّ على كذبٍ قام في حقِّهما مقام خبر الواحد، فكما أننا نقول: مَن بلغه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم خبر واحدٍ يفيد غلبة الظنِّ بأن هذا الفعل يكون سببًا لنفع غيبِيٍّ، فَفَعَلَه طلبًا لذلك النفع، فإنَّ فِعْلَه يكون عبادةً لله عزَّ وجلَّ، وإن فُرِضَ أن ذلك المخبر كاذبٌ في نفس الأمر، ولكن إذا كان دليلٌ خَفِيٌّ على كذبه، فقد يُلام العامل لعدم احتياطه، والله أعلم.
وهكذا السجود للعظماء وللأبوين ــ مع علم الساجد بأنه عاصٍ (١) بذلك السجود، وأنه لا يفيده رضوانَ الله تعالى ولا نفعًا غيبيًّا ــ ليس بشركٍ. وبهذا ينحلُّ الإشكال الذي حكاه القرافيُّ عن شيخه العزِّ بن عبد السلام.
قال ابن حجرٍ الهيتميُّ في كتابه «الإعلام بقواطع الإسلام»: «واستشكل العزُّ بن عبد السلام الفرقَ بين السجود للصنم وبين ما لو سجد الولد لوالده على جهة التعظيم حيث لا يكفر، والسجود للوالد كما يُقْصَد به التقرُّب إلى الله تعالى كذلك قد يُقْصَد بالسجود للصنم، كما قال تعالى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]، ولا يمكن أن يُقال: إن الله شرع ذلك في حقِّ العلماء والآباء دون الأصنام.
قال القرافيُّ في «قواعده»: كان الشيخ يستشكل هذا المقام، ويُعْظِم الإشكالَ فيه.
ونقل هذا الإشكال الزركشيُّ وغيرُه ولم يجيبوا عنه.
(١) سبق في آخر ص ٧٣٤ اشتراط ألَّا تكون المعصية شركًا.